“هل في وسع السماء أن تأتينا بغيمةٍ
تحسدنا .. لأننا لا نرى ما ترى؟
هل في وسع البياض أن يمنحنا
ريشاً، نجبر به الأجنحة المكسورة؟
هل في وسع القهوة أن تكبر بين غريبين على الحياة،
لتصبح شارعا ممتدا، وأغنية مقهى؟”..
بهذه الأسئلة المنتشية بالوجود تبدأ فتاة اسمها عائشة العبدالله حلمها الشعري المتسع والمتفرق على خمسة أوتار نبتت في يدها لتجعل منها شاعرة حقيقية.
والفتيات اللواتي يفضلن اجتراح القصيدة في الوقت الراهن نادرات مقارنة بالمنحازات منهن للرواية قراءة وكتابة حقاً وزوراً. لكن القصيدة تنبئ عن نفسها، وقصيدة الشاعرة الكويتية الشابة عائشة العبدالله لا تتوارى وراء وهم البدايات بل تبدو واثقة من نفسها في احتمالات الكتابة.
في مجموعتها الشعرية الأولى التي صدرت عن مسعى للنشر والتوزيع هذا العام بعنوان “خمسة أوتار في يدي” تعلن عن قصيدتها بصوت مفرط في رهافته وقيافته:
”سأكتب كثيرا،
الضجر،
الوحدة،
البكاء،
العطلُ الذي يعاني منه باب غرفتي،
الشرخ الذي تحول بئرا مالحاً
أسفل عيني اليسرى،
الصورة المعلقة على جدارٍ لم لم يبتسم،
فردةُ الحذاء التي تتمنى أن تراوغها
قدمٌ لا تناسبها،
العطر الذي لم يحظ بعناق،
الوردة التي ذبلت منذ يومين،
دون أن يفكر أحدٌ بدفنها،
والقلب الذي يرتجف برداً، ولا تطفئه
وسائد الصوف والأغطية الكثيرة…”!
بمثل هذا القصيدة ذات السمت اليومي الشفيف، والتي ترجمت الفنانة الشابة سارة الهندي روحها النزقة بلوحة بالغة الخفة والرشاقة على الغلاف، تقدم عائشة العبدالله نفسها كشاعرة متمكنة من أدواتها وممتلئة بروح الشعر إلى المتلقي العربي من دون أن تنخدع بصخب الموسيقى وإيقاعات الفراغ!
وزعت الشاعرة نصوصها على عنوانين كبيرين في مجموعتها أولهما جاء بهيئة سؤال وجودي عميق على بساطته اللغوية الظاهرة؛ “هل في وسع السماء أن تأتينا بغيمة”، أما الآخر فجاء كاكتشاف؛ “قصيدة محفورة على جدار قديم”، وقدمت للعنوانين بما يشبه الإهداء الذي اكتسب دلالته الكبرى كمفتاح للمجموعة كلها باعتباره المرجعية التي اتكأت عليه الشاعرة وهي تضع عنوان مجموعتها وهي تعلن من خلاله سر القصيدة؛
“لم أتقن العزف يوما،
لكنك علمتني،
كيف أقبّل خمسة أوتار نافرة من يديك،
فتولد ترنيمة”.
وكما تفتتح عائشة العبدالله عالمها الشعري بسر قصيدتها المقبلة بأنفة وخيلاء يليقان بموهبتها الكبيرة، تختتمه بسؤال يشي بألف سؤال يتجاوز صفحات المجموعة الشعرية المائة: “أين سأدفن كل هذا الورق المتساقط مني؟”!
يا له من سؤال ساحر يواجه كل من جرب لذة القول كتابةً: فعلاً.. أين سأدفن كل هذا الورق المتساقط مني؟”!