الرئيسية / فواصل / أخبار / على ضفّتيْ الخيران

على ضفّتيْ الخيران

على ضفّتيْ الخيران
بقلم / إبراهيم محمد نصير

كنت على الضفة الأخرى ، فرأيتهم .ومن يرَهم غيري فقد يحسدهم على وجودهم في مقامهم هذا :بحر أزرق ورمال بيضاء تجتذب الأفئدة إليها ومياه تترقرق صافية في تيارها الدائم جزرا ومدا ، ثم بعد كل بذخ الطبيعة هذا هناك المنتجع التاريخي يبسط أجنحة مبانيه فوق ذلك الجمال الساحر . رأيتهم ؛رأيت بعضهم : فذاك يمشي على هون في خطو وئيد ، وتلك ملتفة بعباءتها بدت وكأنها تتريض في مشيتها العجلى قرب الرمال ، وذاك طفل وتلك طفلة يلهوان لا يعيان من الوجود سوى ذلك البحر ورماله ، فصارا إليه ببراءة شوقهما يتمرغان فوق شاطئه الوادع الأمين .وهناك رجلان يقفان فوق إفريز الرصيف العائم ينظران إلى الضفة الأخرى – إليّ – ولست أدري بما هما يتناجيان به ، وتلك امرأة ذات حجاب قد انعزلت وحيدة في طرف الساحل الرملي تمشت ثم ما لبثت أن جلست فوق الرمال تعبث أناملها بها فبدت كمثل الذي يغرق في تفكير عميق لا يهمه ما يحيط به من معالم الجمال .هكذا رأيت حين كنت أتمشى على ساحلي الآمن قد فرأيت المشهد المؤلم في نفسي الشاحب في نفوسهم هناك على ساحلهم . قد يحسدهم البعض كما أسلفت آنفا ، ولكن هيهات ، فهم في شأن غير شأن العيون الحاسدة الحاقدة ، هم في صلاة دائمة وفي دعاء ورجاء لا ينقطعان يحدوهم الأمل أن يعودوا سريعا عاجلا إلى أهليهم وأحبائهم سالمين معافين مما حاق بهم في غفلة من الزمان المتقلب .جاءوا من بلاد أصابها الوباء من حيث لم يحتسبوا ، فاحتسبوا الله أجرًا وصبرا ودفعا .
كانت قد مضت بضعة أيام على أعيادنا الوطنية التي صمتت بغتة بعد أن دهمنا داهم البلاء الذي نشر في نفوسنا هلعًا وفزعًا وجزعًا ، فانطفأت أضواء الفرح من أعيننا على الرغم من أنها لا تزال تومض فوق مبانينا يرفرف فوقها علمنا خفاقًا كما تخفق به صدورنا . كان متنزههم أمام متنزهي لا يفصل بيننا سوى هذا المجري المائي الذي لطالما سبحت فيه منذ طفولتي ولا أزال طفلا أمامه كلما افتقدت معلما من معالمي في المدينة الصاخبة .وهكذا قررت أن أستجمّ هناك بين متنزهين على ذات الضفتين : ضفة تدعو لنفسها ، وصفة تدعو لها ٠ فغدا دعاء الضفتين الشقيقتين دعاء واحدًا تبوح به الأنفس الكلمى وترتفع به العيون إلى السماء العليا .

عن Saadiah

شاهد أيضاً

دائرة الضوء؛ خلف جدار اسمنتي

أحمد ناصر السميط/ تمثل المعرفة المدخل الرئيس لبناء الفكر والثقافة الجماهيرية والفردية، وهذا الأمر تتوارثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *