الرئيسية / مقالات سعدية مفرح / العصفورة التي غيرتني!

العصفورة التي غيرتني!

لا .. ليست عصفورة تويتر الزرقاء هي التي غيرتني و التي أصبحت أشهر عصفورة هذه الأيام، بل هي عصفورة صحراوية من تلك العصافير ذات اللون الرمادي الكالح والتي تطير في سماء بلادنا الصحراوية  واعتدنا عليها وكأنها العصافير الوحيدة التي  نعرفها أصلا، فبمساعدتها تعرفت على كثيرين عززوا قيمة التغيير في حياتي.. وهي التي أعنيها في عنوان هذا المقال .

عصفورتي لا تعرفني بالطبع ـ وهل تعرفنا العصافير أصلا كما نعرفها؟! ـ وبالتأكيد هي لا تعرف أنها استطاعت في ذات لحظة طيران خاطفة وعادية أن تغير امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها، آنذاك، كانت ترى نفسها عصية على التغيير حتى مرت بتلك اللحظة المثيرة.

كنت في طريقي للبيت، أقبع في المقعد الخلفي للسيارة، عندما تعطل جهاز التكييف فجأة وتحولت السيارة بعد دقيقة واحدة إلى فرن حقيقي، فالزمن هو شهر أغسطس، والمكان هو الكويت التي تتجاوز الحرارة فيها الخمسين درجة مئوية. ولكم أن تتخيلوا أيها القراء أي وضع كنت فيه داخل تلك السيارة لحظتها، ولهذا لم أجد بداً من فتح الشباك والتطلع إلى الشارع  تذمراً مما أنا فيه، لحظات وتوقفت السيارة عند إشارة المرور الحمراء وسط صهد الشارع المزدحم والذي كاد أسفلته لشدة الحرارة أن يسيل على جنيه ويفيض من على رصيفيه.

كانت عصفورتي الصغيرة، التي لا أعرفها في تلك اللحظة، بانتظاري مع سرب من أخواتها.

انشغلت بالنظر إلى تلك العصفورة المنشغلة بالتقاط ما لا يرى من الحب في ذلك المكان، وما هي إلا لحظات حتى أخضّرت الإشارة المرورية فتعالت أصوات الأبواق وتحركت السيارات ببطء.

وعندها فقط رأيت أجمل مشهد في حياتي.

حركت العصفورة الخائفة – كما يبدو من تلك الجلبة المفاجئة – عنقها ذات اليمين وذات الشمال بسرعة خاطفة، ثم رفعت رأسها ورفرفت بجناحيها، واعتدل ذيلها، وطارت بانسيابية مذهلة، شقت الهواء باتجاه السماء بتلك الحركة التي بدت لي أجمل حركة رأيتها في حينها، وكأنني أراها لأول مرة في حياتي، وبعدها بثانيتين ربما تبعتها كل العصافير الأخرى بذات الطقوس وذات الحركات وذات الجمال تقريبا   .

كنت أراقب السرب وهو يتشكل في السماء الصافية من خلال نافذة السيارة، وكدت أخرج رأسي كله انجذابا لجمال المشهد. إلى أن غاب السرب، وعادت إليّ ابتسامتي التي كنت أفتقدها منذ سنوات عديدة.

ألم أكن أبتسم قبلها أبدا؟!

بالطبع كنت أبتسم، ولكن وفقا لتلك المقولة المعلبة والتي تقول:” بأن الضحك والابتسام بلا سبب هو قلة أدب”، وكانت الأسباب التي تثير ضحكي وابتساماتي نادرة، أو هكذا كنت أراها.

أكملت طريقي يومها إلى البيت وأنا محتفظة بابتسامتي . نسيت الحر القاهر ، والزحمة القاتلة وتعب العمل في ذلك اليوم تحديدا ، وكل ما كنت أتخذه شماعة لكآبتي وضيقي اليومي المعتادة، وتوالت أسئلتي تلح عليّ سؤالا بعد الآخر طوال الطريق الطويل:

كيف سحرني ذلك المشهد البسيط إلى ذلك الحد؟!

كيف لم أكتشف مثل تلك اللحظة رغم ما يمر بيّ من لحظات جميلة  في حياتي اليومية ؟!

كيف أصبحت امرأة سعيدة من خلال مشهد بسيط أعجبني؟!

أين ذهب التعب والإرهاق؟! وكيف تلاشت الزحمة، وتحول الفرن الذي كنت أجلس فيه إلى مكان من الجنة؟!

وصلت للبيت ، وأخبرت أول من وجدتها أمامي بحكايتي مع العصفورة عندما لاحظت ابتسامتي وتحياتي المرحة غير المعتادة، لكنها لم تقتنع بتلك الحكاية ، وعللت سبب ما أنا فيه من سعادة لسر ربما لا أريد أن أخبرها به الآن.

حسنا.. لا يهم. لا شيء يهم بعد الآن.

تواصلت أسئلتي الداخلية بعد ذلك بإلحاح، وتوصلت من خلالها إلى أنني ضيعت كل سنوات عمري الماضية في انتظار  تحقق هدف كبير اسمه “السعادة” ..ولم يتحقق ذلك الهدف. والآن ، وتحديداً في تلك اللحظة اكتشفت أن السعادة كانت طوال الوقت بين يدي . داخلي .. في أعماقي ..ولم أكن أنتبه لوجودها.

جلست أمام المرأة وخاطبت نفسي قائلة: أيتها المرأة التي أراها في المرآة الآن .. أنت منذ هذه اللحظة امرأة سعيدة، هكذا قررت .

مضت الأيام التالية في التدرب على اكتشاف لحظات سعادة مماثلة لتلك اللحظة البسيطة ، وكلما وجدت لحظة سعيدة أتفاجأ أنها مختبئة في مكان أو وقت لم يكن يخطر على بالي، فمثلاً :لحظة سعيدة عندما ارتشف فيها فنجان القهوة الصباحية مع قطعة من الشوكولاته التي صرت التهمها على مهل شديد استحلابا للذة التي كنت أضيعها في السابق بسبب سرعتي في الأكل، أو أقرأ فيها كتاباً أحبه، أو استقبل مكالمة من شخص يهمني أمره وأرغب في سماع صوته،..والعديد من اللحظات البسيطة التي يمكن أن تتحقق لنا في حياتنا اليومية ، طبعا دعك من اللحظات الكبرى والتي يمكن النظر إليها على أنها خطوة مهمة في طريقي نحو أهدافي الكبرى.

إذاً  أنا تغيرت تغيراً إيجابياً، كما يقول خبراء التطوير الذاتي والتنمية البشرية، من حيث لا أدري، وبشكل لم أكن اتوقعه.. وبسبب عصفورة صغيرة.

هل صدقتم حكايتي؟

جربوا تطبيق ما فيها.. وأعدكم أنكم ستتغيرون أيضا.

عن Saadiah

شاهد أيضاً

لوحة للفنان أسعد عرابي

هل سأنجو هذه المرّة أيضاً؟

سعدية مفرح/ تنقذني الكتابة، ولو مؤقتاً، من الغرق في لجة الكآبة ومجاهيل الاكتئاب. فمنذ أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *