الرئيسية / مقالات سعدية مفرح / ثلاث نساء شجاعات

ثلاث نساء شجاعات

2 أغسطس 2018

مي سكاف، إيلين إيرسون، عهد التميمي.. ثلاث نساء شجاعات، كانت أسماؤهن أبرز عناوين الشهر المنصرم، ليثبتن أن الشجاعة تليق بالنساء فعلا.
تجلت شجاعة الممثلة السورية، مي سكاف، بخروجها المبكّر لتنضم إلى صفوف الثورة السورية منذ انطلاقتها، ومن دون حسابات معقدة للربح والخسارة، وهي الحسابات التي يهتم بها عادة الفنانون، وهم يعلنون مواقفهم الشعبية. لم تهتم مي بغضبة النظام الحاكم في بلادها، فخرجت مع الجماهير لتعبر عنهم ومعهم عن رفضها ممارسات دكتاتور بلادها علنا، ولم تتخاذل مي لحظة واحدة عن الموقف المبدئي الذي عبرت عنه في كل وسيلة إعلامية أتيحت لها. مي التي نمّت مواقفها وتصريحاتها، ومقابلاتها التلفزيونية والصحافية، عن وعي سياسي كبير وثقافة عميقة، قالت كلمتها ومضت في سبيلها إلى أقصى ما يمكن المضي إليه.. فحوكمت وسجنت حتى أتيح لها لاحقا أن تهرب بتلك الكلمة الحرة إلى الملجأ، لتواصل النضال بلا هوادة. وفي آخر عبارة تركتها على جدارها الشخصي في “فيسبوك”، كانت مي تعبر بوضوح عن روح الشجاعة التي سكنتها ومضت معها؛ “لن أفقد الأمل.. إنها سورية العظيمة وليست سورية الأسد”!
عندما رحلت مي، إثر نزيفٍ حاد ومفاجئ في الدماغ، قبل أسبوعين تقريبا، تجدّد الحديث عنها، وعن الثورة السورية القتيلة، على منصات التخاذل، فاعتبرها كثيرون أيقونة لتلك الثورة، ومعادلا لها في كل تحولاتها.
أما إيلين إيرسون، فقد خطفت أنظارَ العالم كله دقائق قليلة صورتُها، وعرضتها في بث مباشر على حسابها الشخصي في “فيسبوك”، وهي تحاول عرقلة طائرة تحمل من بين ركابها طالب لجوء أفغانيا، رفضت السلطات السويدية طلبه، وقرّرت ترحيله إلى مصيره الخطر في أفغانستان. لم تجد تلك الطالبة حيلةً لتنفيذ خطتها غير الوقوف في الطائرة، وتصوير نفسها، وهي تطالب حكومتها بتغيير سياسة الترحيل القسري للاجئين، المرفوضة طلبات لجوئهم، لما يمثله ذلك من خطر على حياتهم. وعلى الرغم من الضغط النفسي الذي وصل إلى حد محاولة الإيذاء الجسدي لها من طاقم الطائرة وبعض الركاب، إلا أنها صمدت بشجاعة بالغة، وسط دموعها التي نمّت عن روح شفافة ترفض الظلم، ومستعدّة لأن تواجه كل شيء، في سبيل رفعه عن المستضعفين حولها.
نجحت إيلين، ولو مؤقتا، في عرقلة ترحيل اللاجئ فعلا، بعد أن رضخ قائد الطائرة، في النهاية، لمطلبها بإنزاله قبل استتئناف الرحلة، لكن نجاحها الأكبر كان في تسليط الضوء ساطعا على ما يتعرّض له طالبو اللجوء إلى السويد، بعد رفض طلباتهم، وهو النهج الذي كان خافيا على كثيرين، قبل أن تفضحه تلك إيلين التي أصبحت حديث العالم في دقائق قليلة من البث الشخصي.
واختتم الشهر بخبر الإفراج عن المناضلة الفلسطينية الشابة، عهد التميمي، والتي خرجت من المعتقل بعنفوانٍ مضاعفٍ، وابتسامةٍ مضيئة، ورأسٍ يلامس عنان السماء، وخبرة متراكمة، على الرغم من صغر سنها، في المقاومة بكل أشكالها، عندما اعتبرت، في تصريحاتها الفورية بعد الإفراج عنها قبل أيام، أنها لن تتوقف عن النضال، وأن المقاومة مستمرة، حتى زوال الاحتلال، في إشارة إلى أن السجن الذي نفذته ثمانية شهور، إثر اتهامها بالاعتداء على جندي صهيوني بالقرب من منزل عائلتها، لم يكسر عزيمتها، ولم يشوّه روحها الحرّة، وأنه لن يوقفها عن اللجوء إلى خيار مقاومة المحتل دائما.
عرفت عهد بشجاعتها منذ طفولتها، حيث انتشرت لها مقاطع كثيرة، تصوّر إقدامها المبكر في مواجهة جنود الاحتلال بكل ما تملك من قوة، كان أقدمها وهي لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها بعد.
ويكفي أن عهد التميمي نجحت دائما في المساهمة بفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي القاسية جدا تجاه الأطفال والقصّر الفلسطينيين، في انتهاك واضح لكل المعاهدات والقوانين الدولية بشأن معاملة الأطفال والقصّر، لتكون أيقونة نضال فلسطيني مستمر ومتصاعد، جيلا بعد جيل.
نجحت النسوة الثلاث في الدفاع عن قضايا يؤمنّ بها بكل شجاعة، ذلك أن الشجاعة تليق بهن فعلاً، وتليق بكثيراتٍ غيرهن في كل مكان من هذا العالم الذي ما زال ينظر إلى المرأة، في أفضل الأحوال، كائنا ضعيفا يستحق الشفقة وحسب.

(العربي الجديد)

عن Saadiah

شاهد أيضاً

لوحة للفنان أسعد عرابي

هل سأنجو هذه المرّة أيضاً؟

سعدية مفرح/ تنقذني الكتابة، ولو مؤقتاً، من الغرق في لجة الكآبة ومجاهيل الاكتئاب. فمنذ أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *