أخشى ما أخشاه وقد ودعنا الدورة الثامنة والثلاثين من معرض الكتاب الدولي في الكويت قبل يومين أن يتحول اللغط الكثير الذي دار على هامش المعرض وبين أروقته المزدحمة حول بعض الروايات الكويتية التي وصفت بالرديئة الى سلاح جديد في يد مؤيدي مقص الرقيب على الكتب.
ففي الوقت الذي يحاول فيه الكثيرون من أنصار الكلمة الحرة أن يلفتوا النظر الى ما تفعله الرقابة في معرض الكتاب في الكويت تحديدا ظهرت هذه الظاهرة الجديدة هذا العام حيث فوجئ رواد المعرض بصف طويل تبدأ من أمام جناح إحدى دور النشر المحلية وتمتد الى خارج القاعة رقم 5، وهي القاعة التي تشارك فيها دور النشر الكويتية هذا العام. وبالتدقيق في من يقف ضمن هذا الصف اتضح لنا أن معظمهم من الفتيات المراهقات والتي لا تتجاوز أعمارهن السادسة عشرة وكل هدفهن من المعرض الحصول على نسخة من كتاب صدر حديثا لمؤلف شاب يجلس في صدر الجناح ويوقع النسخ بحماسة شديدة للجماهير التي تدفقت عليه.
لن أعلق على الكتاب المعني لأنني لم أطلع عليه بعد، ولكنني سأعلق على ردود الفعل التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي مطالبة وزارة الإعلام بتفعيل الرقابة و”سحب” الكتاب، وغيره من الكتب المشابهة له، من المعرض، وهذا ما فعلته الوزارة بالفعل ولكن بعد عدة أيام طبع فيها ذلك الكتاب عدة مرات كما قال المؤلف الشاب نفسه.
وواضح أن الوزارة فعّلت رقابتها، القاسية أصلا ولكن ضد الكتب الآتية من الخارج، استجابة لدعوات الكثيرين لها بذلك. وبقليل من المتابعة لما كتب في تويتر على سبيل المثال يتضح لنا أن معظم المعلقين الغاضبين من الكتاب لم يقرأوه بل اعتمدوا في أحكامهم على بعض المقاطع المصورة منه، وهي مقاطع سيئة فعلا على الصعيد الأدبي وكذلك الأخلاقي أيضا.
ورغم أن المعيار الأخلاقي ليس هو معياري المفضل في الحكم على قيمة الأعمال الأدبية عادة لأسباب عديدة منها نسبيته على الأقل، إلا أن هذا لا يجعلني أتجاهل أنه المعيار المفضل للكثيرين من النقاد والقراء أيضا، ومن هنا تأتي خطورة هذا المعيار الذي يعتبر هو الأكثر نجاحا في إثارة الرأي العام ضد كتاب معين. ومعظم الكتب التي تم منعها في الكويت استجابة لردود فعل الناس، ولا أصفهم بالقراء وحسب، حوكمت وفقا لهذا المعيار الأخلاقي المريح لسلطات المنع الرسمية باعتبار أن منع الكتب من التداول على أساسه سيبدو وكأنه اهتمام من السلطات برغبات الناس. وهي حيلة قد تستغل بطرق كثيرة لصالح هذه السلطات وقت الحاجة لها من دون أن يفطن هؤلاء الناس إلى أنهم في هذه الحالة يصبحون مجرد أدوات بيد السلطات وحسب!.
من الجميل جدا أن تستجيب رقابة وزارة الإعلام لرغبات الناس، ولكن عليها أولا ألا تستخدم رغباتهم كأداة للمنع بشكل مريح يبدو وكأنه بطولة وحسب، فالكتاب الذي سحبته من المعرض اليوم سحبته استجابة لضجة مثارة حوله وحسب من دون توضيح لنوع المخالفة التي ارتكبها المؤلف واستندت عليها الوزارة في قرارها أصلا، وأتوقع أنها فعلت ذلك من دون أن يطلع رقباؤها على فحوى الكتاب.
ما زلت أرفض الرقابة على الكتب بكل أشكالها، مع تشجيعي الكبير لدور النقد، وبقسوة شديدة لكل الكتب الرديئة، التي يتساهل البعض في كتابتها ونشرها، ويجد للأسف دور نشر كبيرة وعريقة تتلقفها وتهتم بنشرها توقا لحصد الأرباح السريعة على حساب أعمال أدبية حقيقية لا تجد أحيانا من يهتم بنشرها وترويجها… للأسف!
(القبس 2 ديسمبر 2013)