يمثّل عبد العزيز الثعالبي (1876 – 1944) أحد أبرز الشخصيات السياسية أواخر القرن التاسع عشر في تونس، والذين بلوروا أفكاراً أصلاحية حول المجتمع والدولة بعد تلقيهم تعليماً دينياً في “الزيتونة”، وتعرّض بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار الفرنسي إلى النفي.
في مسارٍ موازٍ، لاقت أراؤه الداعية إلى تخليص العقيدة مما علق بها من خرافات وأوهام خصومات كبيرة مع العديد من رجال الدين الرافضين لكلّ نزعات التجديد، فحُكم عليه بالحبس عام 1904، وما إن غادر السّجن حتى فكّر في تأليف كتاب للردّ على خصومه.
من أبرز مؤلّفاته في هذا السياق كان كتابه “روح التحرّر في القرآن” الذي نُشر باللغة الفرنسية عام 1905، وصدرت النسخة العربية منه عام 1985 بترجمة حمادي الساحلي ومحمد المختار السلامي، لتصدر ترجمة جديدة للباحث زهير الذوادي في كانون الأول/ ديسبمر الماضي عن “دار الاتّحاد للنشر والتوزيع” بعنوان “الروح التحررية في القرآن”.
يحضر سؤال أساسي حول أهمية طرح ترجمة ثانية للمؤلَّف نفسه بعد أكثر من ثلاثة عقود من صدور ترجمته الأولى؟ وهل تتعلّق المسألة باجتهاد في نقل المحتوى خاصة أن هذا الإصدار تضمّن تقديماً للكتاب من المترجم؟
يشير التقديم إلى أن الثعالبي قرّر “تحرير مؤلفه في سياق النقاشات الفكرية والسياسية التي عرفتها النخبة التونسية خلال مطلع القرن العشرين، معتبراً أن مشروع حياته الفكرية يختزل في تجديد التأويل ـــ العقلاني ــــ للقرآن والقطع مع التحجر الذهني والعقائدي الذي هيمن طويلاً على العقل الإسلامي”.
دافع صاحب كتاب “تونس الشهيدة” عن جوهر الإسلام بوصفه مشروعاً حضارياً قائماً على التعدّد والانفتاح وقبوله للتحديث وأولية العقل على النقل، داعياً العرب إلى الاستفادة من الإنجازات التي حققها الغرب في المجال الصناعي، والسياسي، والفكري.
وانتقد أيضاً الكثير من البدع التي تمارس بعض الطرق الصوفية، متّهماً إياهم بالدجل والتحايل على ضِعاف العقول عبر ادّعاء الكرامات وخوارق العادات وكشف الغَيب، ونادى بإلغاء كل الوسائط بين الإنسان وربّه، وبإغلاق الزوايا التي كانت، في رأيه، تنشر الأفكار المتحجّرة المنافية للتطوّر العلمي وتبث عقائد الشرك والخرافات، ضمن رؤية توحيديّة حاسمة.
(المصدر: العربي الجديد / 16 فبراير 2020)