الرئيسية / فواصل / العد التنـازلي.. لعلهم تتفكرون؟

العد التنـازلي.. لعلهم تتفكرون؟

أنوار فاهد مخلد(*)/

حملت هاتفي أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وقتٌ مستقطع من جدول رمضان الكثيف ولله الحمد على هذا الشهر الكريم، بكل ما يحمله من معاني روحانية واجتماعية أصيلة، يُنثر عبق أصالتها على أرواحنا، ليزيدها انتعاشاً وسعادة وسكينة، رغم التباعد الاجتماعي الذي نعيشه في ظل الوباء العالمي. كنت أقلب بأناملي الأخبار، حتى شاهدت مقاطع مؤلمة لتعاركٍ شديد على المؤونة الغذائية رغم توافرها بكثرة! تعجبت كثيراً لهول ما رأيت من تزاحم وتصادم وشدٍ وضرب، الكثير من الناس، في صفوف طويلة، ماذا يحدث؟ هل نعاني من نقص ٍوشحة؟ هل نعيش أحداث حرب لا أمن فيه ولا مؤونة؟ ماذا يحدث للبشر؟ كيف تغيرت الأحوال في أشهر قليلة؟ سبحان الله.
أكتب كلماتي هذه، في أول يوم للحظر الكُلي، الحظر الذي فَرض على الجميع المكوث في منازلهم، حظرٌ شامل على دولة الكويت. بدأ معه العد التنازلي في مُحاربة الوباء الذي اجتاح العالم مع مطلع هذا العام، ودخلت معه الكويت ساحة الأحداث العالمية. وباءٌ جاء امتحانٌ من الله على البشرية حتى تصحو من الغفلة التي حلت عليها، حينما اعتادت على النعم، اعتادت على اسرافها! وما حال الناس في تلك الصفوف الطويلة ومنظر الخوف والهلع على وجوهم، إلا دليل على ما تبقى من عادات وقيم وجب تغييرها. إذ إن أي ابتلاء ينزل على البشر، ما هو إلا نقطة تحوّل، تُفتح بعدها أبوب الخير، متى ما أدرك الناس واجب التغيير المفروض عليهم.
إن المُتأمل بعين المُتفكر الذي يبحث عن الحكمة في الحال الذي فُرض علينا، يُدرك تماماً أن هذه الأزمة تهيئ العالم للتغيير في كل شيء، حتى تستقبل عالماً جديداً، يختلف عما كان من قبل. انظر كيف تسارعت وتيرة التغيرات الواحدة تلو الأخرى، يُشبه الحال في ذلك، تلك الرياح البعيدة التي حملت معها الكثير حينما أتت وأخذت مع رحيلها الكثير! الكثير من الناس، الكثير من الأموال، الكثير من الجهود. لقد سُلبت النعم فجأة، لم نعد كما كُنّا سابقاً، فما اعتدنا عليه أخذ منعطفاً آخر، لا طعم له من غير العافية، فحينما يرسل الله تعالى آياته للناس، فإنه يُرسلها برحمةٍ منه، ليرجع الناس إليه، ويدركوا عظيم فضله عليهم وأن هناك عادات وقيم آن أوانُ تحوّلها.
انظر لحال الأرض وقد انتعشت أكثر واستقر حالها، بعد أن مكث الناس في منازلهم. تفكّر في حال الحياة كيف لازالت تسير وتمضي، ونحن في منازلنا ننتظر على أملٍ زوال الوباء. لقد بدأ العد التنازلي على انتهاء الفصل الدراسي للطلبة من هم في بيوتهم يواصلون الحياة، ويتكيفون بعادات دراسية جديدة، وبدأ العد التنازلي لرحيل شهر الخير والبركات، وسيبدأ قريباً العد التنازلي لرحيل فصل الربيع. لقد مكثنا الكثير في منازلنا، أرجعنا الله إليها لنعيد حساباتنا ونتفكر في حالنا، فهل آن الأوان لأن نستبصر في حال العالم وندرك؟ هل الآن الأوان لنترك انغماسنا في حياة المادة والترف؟ هل آن الأوان ليبدأ العد التنازلي للتغير نحو عادات وقيم أكثر إنسانية ومرونة مع تقلبات الحياة وطبيعتها المتغيرة؟ جاء الوباء للناس، وسيرحل بإذن الله، ويبقى الأمل: لعلهم يتفكرون.

ـــــــــــــــــــــــ

(*)قسم الإدارة والتخطيط التربوي
كلية التربية – جامعة الكويت
مدينة صباح السالم الجامعية

عن Saadiah

شاهد أيضاً

دائرة الضوء؛ خلف جدار اسمنتي

أحمد ناصر السميط/ تمثل المعرفة المدخل الرئيس لبناء الفكر والثقافة الجماهيرية والفردية، وهذا الأمر تتوارثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *