أحمد ناصر السميط/
في دائرة العلاقات الكبيرة ينتقي الإنسان منها مجموعة من الأصدقاء، وقليلاً ما يكون هذا الانتقاء له طابع القرار في صيغة الاختيار، ويغلب أن يكون ذلك الاختيار عشوائياً، وبمرور السنوات والمواقف تتمحص تلك الصداقات وتتشكل وتتعمق، فيغدو بعض أولئك الأصدقاء خلان مقربون، والآخرين من ذوي المودة والوداد، ومجموعة تتباعد بحكم عوارض الزمن وانشغالات الحياة، وأخرى تبعد لأن عملية التمحيص أخذت مجراها، وفي الكل خير ولكن هذه سنة حياتية لا يكاد إنسان إلا ومر بها، والعزيز عندك قد يكون بعيد مني، والمقرب لي قد يكون بغيض لديك، وهكذا لا توجد قواعد تحدد مسار العلاقات تماماً.
في مراحل الدراسة المختلفة وصولاً إلى الوظيفة كان إطار العلاقات يكبر وينضج بشكل كبير وواضح، وقد امتدت هذه العلاقات عمقاً وتوطدت صلةً على مدار كل مرحلة من تلك المراحل، ولا يخفى لدى أحدكم أن العلاقات التي تستمر لا تكون على نمط نشأتها أول الأمر فالظروف تتغير والأيام تغير كذلك، ولكن جل تلك العلاقات كانت تقوم على المودة والتقدير ولازالت تتغذى بالصفاء ما بين الإخوان والخلان مهما تبدلت الأيام والسنين، ومهما باعدت بين الأصدقاء الظروف والأحوال.
لعل الصفاء يزداد بزيادة الألفة بين الأصحاب، ومن كمال الألفة أن تجد أخيك يجود عليك بطلب المساعدة والخدمة، وهنا حين يكون هو الطالب فهو الذي تفضل عليك أن جعلك أهلاً للطلب والسعي في الحاجات، ولعل القيام بحق الصحبة يكون أعظم لو علمت بالحاجة فبادرت ببذل الوسع والطاقة في سبيل تحصيلها لصاحبك، وإن يكن بينكم الصفاء قائم على البذل فهذا من أعظم النعم التي تمنحها الصداقة لك.
في نهاية المطاف علينا أن نتذكر أن هناك من يستحقون أن نبادلهم المودة، وأن هناك من يملأ حياتنا صدقاً وخيراً، هؤلاء هم ذخيرتنا عند الشدائد والملمات، وهؤلاء من يجب أن نمنحهم أعذب الكلام وأصدق العبارات، وهم من يجب أن نبذل لهم اللطف في النصح والإرشاد، ولن تجد صديقاً مكتمل الصفات فاصفح عن الزلات، واجبر العثرات، واستر النزوات، وإياك أن تنحدر بقدر الألفة بالكلام القبيح والتصرف الكريه فتذكر أن الصداقة أثمن من أن تهدر بكلام لا يغفر وزلات لا تجبر، وإياك أن تنال أخوتك سبيل المستهزئين وأن تكون بمقامك إخوانك من المستهترين فقدر الصديق جليل، وشأنه عظيم.
ودمتم بود