أحمد ناصر السميط/
في يوم من أيام نوفمبر 2010 دخلت الفصل الدراسي لتقديم أول حصة تعليمية للطلبة في مقرر التاريخ للصف الحادي عشر أدبي، بزهو وانبهار قدمت الحصة الأولى، مرت بسلام ولكن تشكل عندي انطباع أولي مفاده أن الطلاب قبل أن يتعلمون المادة العلمية فإنهم يتعلمون منك السلوك ويخضعونك لاختبار حاد في التحدي والاحتمال ودقة ما تفيد به بالفصل وهو مؤشر الثقة فيك لديهم، بينما كانت توقعاتي أن أجد الطلاب مقبلين على الدرس والتعلم وكل مهمتهم أنهم يحصلون أكبر قدر ممكن من المعرفة في هذه الدقائق المعدودة، وما بين التوقع و الانطباع وبينما أكتب هذه الكلمات وقد مضت تقريباً عشرة أعوام باتت مقارنة واقعي كطالب مع واقعي كمعلم يختصر الحيرة التي ضلت لسنوات، وخلال فصول عديدة وتعدد نوعي في الطلاب وأعدادهم وانتماءاتهم ومشاربهم بت مقتنعاً أن انطباعي انسجم مع الواقع وما كان توقعي إلا نسج خيال، والانطباع كرسته الحصص الأخرى والأعوام المتتالية، فاقبال الطلاب على المواد المدرسية كان دون اقبالهم على أثر المعلم نفسه في نفوسهم.
أزعم أن غالبية ساحقة من العاملين في حقول التعليم والتدريس من مرحلة رياض الأطفال حتى مراحل التعليم العالي المختلفة ساورهم شعور أولي قبل خوض التجربة أن المتعلمين سوف يسيرون خلفه كالملهم، وأن المتعلمين سوف يكونون كالفراش المقبل على الضوء، يظن هؤلاء أنه حين كان يمل الدرس ولا يتجاوب مع معلمينه أثناء تعلمه في المدارس والجامعة بأن تقديره كان خارق للعادة وقد اكتشف شيء بذلك المعلم أو الدكتور سمح له بأن يخرج الإنسان الملول والضجر الذي في داخله، ولكن هذا الإنسان لا يجب أن يخرج بحضرته كمعلم، والغريب أن ذات الظروف التي كان يتذرع بها في ذلك الزمن تكاد جلها تنطبق على المتعلمين في هذا الزمن، بما في ذلك نمط الرتابه والتصنع والتكلف الذي يسود المشهد عموماً.
مر بي الكثيرين في المدارس والجامعة ممن تميز بعلمه ولكن هؤلاء قلة ممن يتميزون بأنماط تعليمهم وتدريسهم، ولعل أكثرنا لا يذكر الأستاذ فلان لأنه استخدم طرق تدريس مختلفة، ولكن بالدرجة الأولى لخصال سلوكية عنده وقد تجتمع معها الأمور الأولى، والمعلم الطيب أو القاسي أو اللبق أو الوقح كلهم مطبوعين في أذهاننا مهما بلغ علمهم بهذه الصفات، وكم أعجب من معلم أو دكتور جامعي ونحوهم ممن يجلس وينظر في تصنيف الطلاب وهممهم وينسى هو نفسه كيف كان حين كان طالباً، وينسى أن الطالب نتيجة طبيعية لحقيقة من أمامه، ويخلط البعض بين سيء الخلق والطالب الذي لا يعيره بالاً لاعتقاده بأن المادة المقدمة ومقدمها لا يشكلون له قيمة، وهذه عوامل تنعكس ضماً على شكل الفصل الدراسي بمختلف تفاصيله، ولعل تفاعل الطلاب وجديتهم إحدى وجوه ذلك التفصيل.
في نهاية المطاف التعليم والتعلم نمط بشري دائم ما دام الإنسان، وصناعة الطالب المجد والمجتهد يحتاج إلى معلم مثابر ومبدع، والمعلم بذاته قد يكون خزان علمي مبهر ولكن لا يحسن أن يجود بما لديه لطلابه وطالباته، فلا يغتر من أقام على رؤوس الناس معلماً بعلمه وبما بذله من جهود مضنية في سبيل تحصيل شهادته العلمية، فما يظنه الإنسان بنفسه قد لا يمثل أي اعتبار للاخرين، وليكن سبيلك في التعليم هو العمل على غرس أكبر قدر ممكن من القيم والمثل والسلوكيات التي تصنع من أجيال المستقبل رجال ونساء مهيئين للنهوض بأنفسهم ومحيطهم وأممهم.
ودمتم بود