أحمد ناصر السميط/
طبيعة مجالس الناس تكون مليئة بالحكايات والأخبار، وهو أمر دارج في أي مجتمع وأي وسط وفي كل زمان وكل مكان تقريباً، والناس يختلفون بنوع ما يتداولون في مجالسهم فهناك الكلام الحسن النافع، وهناك المضحك وغيره المحزن وممكن الشيق ويرد أن يكون الممل، وغيرها من نمطيات الحديث المتداولة والمختلفة، تتنوع وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ولا يخلو مجتمع إنساني من قواعد عامة تنظم الحديث المتبادل، وتؤسس لشكل المجلس الذي يلتم شمل الأسرة أو الأصحاب فيه، ولعل مثال الديوانية للرجال وشاي الضحى للنساء أبرز مركزين لمثل هذه الاجتماعات في الكويت، ومع تغير الزمان اختلفت التفاصيل والشكليات ولكن بقي المضمون.
أن أي اجتماع طبيعي للناس لا يخلو من سلوك تداول الأحاديث، ومن الطبيعي أن سلوك المبالغة والتصنع والتشويق يغلب على هذا النوع من الأحاديث، وذلك لتكون الحكاية المروية أو الخبر الوارد يأخذ أكبر قدر ممكن من الإثارة المقدرة بقدر المجلس، وتكون العاقبة أما ضحك يضج به المكان أو ذهول يقع على رؤوس الحاضرين وهكذا لكل حديث روايته ونتيجته، وقدرات الناس في المجالس تتفاوت، فهناك المكثر بالرواية وهناك المقل، والمكثر نوعان إما متصنع متطفل، أو ملم ومتبحر، وهنا تمتاز المجاميع المجتمعة على قدرتها في التمييز على سبيل المثال بين أصحابهم أولئك الذين يملؤون المجلس بقصصهم وتجاربهم وأخبارهم، لذلك فمهما بلغ الإنسان من قدرة على خلق القصة المحكية ألا أنه ملزم بصياغة المبررات لأي أسئلة اعتراضية أو تهكمية من قبل الجمهور المحيط.
الجميل أن هذه المجالس هي عبارة عن مساحات حرة على اعتبار أن الزمان إختياري والمكان كذلك، ولن يعجز الإنسان عن إيجاد الوسط الذي ينسجم معه في هذا الشأن، والمهم أن يعرف أنه ليس وحيداً فريداً من نوعه فلا يجدر به أن ينعزل لمجرد أن خصاله لا يرتاح لها البعض، وكل ما عليه فعله لو تعارضت طبيعته مع طبيعة أحدهم أن يبتعد وينسحب بلطافة، وحتماً سوف يجد من يتقبل حكاياته وأخباره ويقبل عليها، و بكل الأحوال رحابة الاجتماع والحوار بين الناس أمر متيسر وغير متكلف فلا يجدر بنا أن نضع العراقيل التي تمنع الناس بأن تفضي بما لديها ففي تلك المجالس تكون الألفة بها أرجى، والحديث الماتع للمودة أبقى.
في نهاية المطاف لا تطيب المجالس ونوادي الناس إلا بملح الحديث، والناس احوج ما تكون إلى النبيه الفطن الذي يجمل مجالسهم بالصالح والمفيد، فلا يحبس أحدكم حكاياته وأخباره مظنة أن الناس لا تكترث، فالناس في غالب الوقت مستمعين جيدين ولو قدر البعض أن الحديث غير مقدر اليوم ليعلم أن له زمن ويستحضر ذلك المستمع تلك المجالس ويرددها، والإنسان إن حبس ما لديه من نور المعارف لم يظفر بإشاعة ما يزعمه من شريف الأعمال، ولعل تلك الحكاية العابرة أو الخبر الموجز الذي ألقيته غير مبال بما يرجع إليك منه يبصر به الآخرون طرقهم ويغير به آخرين حياتهم.
ودمتم بود