أحمد ناصر السميط/
ميداس ملك أسطوري اشتهرت قصته بأن لديه قدرة على تحويل كل شيء يلمسه إلى ذهب، والذهب على الرغم من كونه معدن ثمين جداً منذ قديم الأزل ألا أن قيمة تحويل كل شيء لذهب بالمعنى الحرفي بحسب الأسطورة بات أمراً كارثياً بالنسبة لميداس لدرجة أنه كان يحول طعامه إلى ذهب فيعجز عن الأكل، وبلغ به الحال حتى حول ابنته إلى ذهب في مسلسل مأساوي يرسخ عواقب الجشع لدى الإنسان، لكن ما يعنينا الحديث عنه في هذا المقام هو طرق باب أزمة النخبة الثقافية، فالنخبة الثقافية اليوم تعاني من داء شبيه بلعنة ميداس تلك، فهم يحولون كل حضورهم إلى ما يتلخص بالقيمة المادية البحتة حتى بتنا نجد أن النخبة عاجزة عن بذل الطاقة المطلوبة للاسهام بشكل حقيقي في الارتقاء بالمجتمع، وفي تطوير قدراته الفكرية وهي مسؤولية ضخمة وتستحق الكثير من الجهد، ولكن مع أزمة تحول العامل الثقافي لعامل مادي مجرد انعكس سلباً على قيمة الاداء المطلوب من هذه النوعية من الناس في المجتمع ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.
لابد ابتداءً أن أؤكد أن قيمة الجهد الذي تبذله جموع من الفعاليات الثقافية والأكاديمية والفكرية على صعيد المجتمع تعتبر جهود مشكورة ومقدرة، ولكن مدار الحديث حول شكل النخبة الثقافية التي تتقمص قميص الثقافة والعلم والمعرفة، والأمر بالنسبة لها سوق رائجة لبيع سلع استهلاكية بغلاف ثقافي ينتهي بالعوائد المادية النقدية أو الجماهيرية، وكل همهم هو تحقيق الدعاية التجارية المطلوبة للمنتج بالتزامن مع تحقيق الانتشار الاجتماعي الذي يكفل إستمرارية البيع لا أكثر، وهنا تتعقد لدينا أزمة المصطلح ومن يصنف المندرجين تحت هذا المصطلح ( النخبة الثقافية)، لكن تبقى العملية رهينة الدور الجاد والفاعل، والممارسة النقدية الحقيقية وموقعها من إعراب المشهد أجمع.
في نوفمبر ٢٠١٦ عقدت محاضرة ثقافية في مركز جابر الأحمد الثقافي حملة عنوان ((الثقافة ترف؟ أم بقاء؟)) دشنت في حينها أولى فعاليات مركز جابر الثقافية، كانت الإشكالية الأكبر تكمن في تصنيف هذا العنوان لمعنى الثقافة بفرض خيار الترف كخيار متاح، فكان لي تعقيب على المحاضرة والمداخلات التي قدمت في تلك الأمسية أكدت بها أن المشهد بالمحاضرة يقدم قمة أنواع الترف الفكري المذموم فالمحاضرة وعنوانها كانوا منفصلين كلياً عن واقع الحياة الثقافية، إضافةً إلى أن بعض المتحدثين أشاروا إلى عدة أزمات تعتري الجانب الثقافي بتقديرهم وتلك الأزمات لا تساوي إلا الآخرين سواهم!! وأكدت في تلك المداخلة أن أزمتنا الثقافية الحقيقية أن جهد المثقف لا ينصب لفهم المجتمع ودراسته وتناول احتياجاته، ومنذ ذلك اليوم إلى هذه اللحظة ونحن نعيش بذات الحلقة المفرغة للأسف الشديد.
في نهاية المطاف لا شك عندي بأننا سوف نتجاوز هذه المرحلة في يوم ما، طالما كنا نطرق المواضيع ونفتح الأبواب على مصراعيها فإننا قادرون على أن نتجاوز عنق الزجاجة مهما طال الأمد، ويبقى التحدي الحقيقي المناط بنا كجمهور متفاعل أن نعمل على استيعاب المشهد بتفاصيله المملة، ويجب أن نبادر في استيعاب الحالة لا أن نستوعب خلالها، بمعنى أننا مطالبين بإدراك واقع الحياة الثقافية لا أن ننساق مع تيار الأضواء البراقة والصوت العالي، والأمر على قدم المساواة يضع كل التيار الثقافي أمام تحدي الفصل بين متطلبات الواقع الثقافي وبهرجة المعطيات الإستهلاكية.
ودمتم بود