أحمد ناصر السميط/
هناك من يظن أن التاريخ هو المعركة الوجودية الوحيدة التي تحسم مصيره، وتحدد كونه وكيانه، وهنا تكمن خطورة العقل التوظيفي (العقلية التي تحاول توظيف التاريخ لصالح قناعاتها المسبقة) فهو متحيزاً لفكرته التي يقررها من خلال قراءته للتاريخ، دون أتباع أي سلوك علمي، فيكون ميزان المنهج لديه مختل تماماً، فالمنهج يتبع لتأصيل فكرة، وينقض عند أول موقف معترض مع فكرته تلك!
والغاية التي تهدف لها عملية قراءة التاريخ وفق مبدأ (الحاجة) هي غاية مستحيلة تماماً، تفتقد بصورة حقيقية لابسط سلوكيات الباحث عن المعرفة، فهي قراءة متحيزة بطبعها، مؤدلجه بنسقها، تتكرس بها كافة أمراض القراءات السطحية من أحكام ارتجالية، ونتائج اجترارية، ناهيك أنها تمنح صاحبها شعور متطرف يعمل على فرضها فرضاً، وتفقده قيم رئيسة في شخصية الباحث لعل قبول الآخر، ونسبية الرأي أبرزها.
في سياق حديث الناس المستمر في مواضيع التاريخ تظهر لنا مشكلة إصدار الأحكام، فتصبح أي عملية لقراءة التاريخ خاضعة لمبدأ المحاكمة القائم على وحود قضية وشهود ومدعي ومدعى عليه وهكذا ليتسنى للقارئ إصدار حكمه فإما بريء أو مدان، ولا مجال للامتناع عن النطق بالحكم في هذه المناسبات، والمحصلة النهائية نتائج مشوهة تختصر لنا أعقد مواقف البشرية بصورة غالب ومغلوب.
في نهاية المطاف يجب أن ندرك أن مسائل التاريخ تتطلب قراءة فاحصة وشاملة تساهم في بناء تصورات حقيقية وواقعية للأحداث التاريخية، فنحن أحوج لفهم تلك الأحداث من الحكم عليها، ويجب أن لا ننجرف باتجاه تقديم المحتوى التاريخي بصورة ترضي الجمهور أو المسؤولين، متمسكين بمسؤوليتنا تجاه مجتمعاتنا بحيث نقدم ما يسهم بتطوير أنماط التفكير في هذه المسائل بما يقودنا نحو وعي حقيقي بالنتائج التي ترتبت حول هذه القضايا، ويبني لدينا صورة صحيحة حول جذور المشكلات لا مظاهرها الشكلية.
ودمتم بود