الرئيسية / فواصل / زمن الهدوء

زمن الهدوء

أنوار فاهد(*)/

حل ظلام الليل، وسكنت الشوارع، لا ترى فيها سوى انعكاس إضاءة الإنارة من أعمدتها العالية، شوارع حالمة تحت قطرات أمطار الربيع الرقيقة، شوارعٌ خلت من البشر وضجيج السيارات العابرة، هدأت معها الأنفاس بعد مغيب شمس يوم لم يختلف عما قبله، مُكتظٍ بأخبار العالم المُرهق لهذا العام.
لم أشعر بتلك السكينة منذ سنين طويلة. حينما كنا صغاراً، قبل توسّع انتشار التكنولوجيا والحياة المُترفة. كانت شوارع الحيّ تهدأ هدوءً يُريح الأنفاس مع بدء زوال الشمس، هدوءٌ تدريجيّ يغسل القلوب من شوائب النهار في عتمة الليل. تلك السكينة التي أشعر بها الآن، وأنا أنظر من النافذة حركت بداخلي الحنين لزمن الهدوء. زمنٌ حلّ ضيفاً علينا مع نجـوم السماء هذه الأيام، لم نكن نتوقع عودته المُفاجئة، ولا نعلم متى سيرحل مُجدداً، زمنٌ بدأ مع حظر التجول في مُدن وقرى العالم.
كُنا في عامٍ مضى، نشكو الكثيـر من زحام الأعمال، وضيق الوقت، وانحشار الصدر مع تزاحم الأماني والطموحات. كُنا نعيش تلك الغمرة من الروتين المُتواصل، حتى احتضنت قلوبنا الغفلة. وفي لحظات لم نشعر بها ونحن في أحضان الغفلة الحانية على قلوبنا، إلا وقد تغيّر كل شيء، تغيّر ما اعتدنا عليه وسُلب من أيدينا الكثير، الكثير مما كُنا ننعم به في لحظة عجزٍ صامته.
لقد أخذ العالم منحنى وعر من الأحداث المُتسارعة، في ظل انتشار مخلوقٍ لا تراه الأعين، ظهر في أقصى الشرق من العالم، وازداد توسعاً ليَعُمّ أرجاء الأرض. يخطف النّعم التي غيّبتها الغفلة، الواحدة تلو الأخرى. فمن كان ليتخيل أن الهواء الذي نستنشقه بسلاسةٍ في صدورنا، يكون خطراً على حياتنا اليوم!
لقد أصبحت التجمعات في دور العبادة والمدارس والجامعات والأسواق بل وحتى الشوارع وحارات القُرى، أمراً مُهدداً للصحة، سالباً للعافية! لقد أغلقت جميع الأماكن بلا استثناء وتوقفت حركة الحياة وعجزت الحكومات، وسكن العالم في لحظات الحظر الإجباري، حتى غدت مدن وقرى العالم بلا بشر!
هل كان ليخطر على بالك عزيزي القارئ أن نواجه مثل هذه التغيرات المُفاجئة في حياتنا اليومية؟ لقد كنا ننعم بنعم عظيمة لم نحرص على شُكرها، فتبدّل الحال، حتى باتت أمنية اليوم! ورغم ما يحمله هذا الوباء من وطأة ثقيلة على العالم، إلا أننا بتنا نرى تعافي الحياة الفطرية ونقاء الأجواء! لقد أخذت الأرض نصبيها الآن من التشافي، زمن الوباء أعاد الهدوء، أعاد الأهالي لبعضها، أعاد للأرض حياتها، وبدأ يُغيّر شيئاً فشيّئاً قيّم الحياة لدينا! إننا نقف الآن عند باب عقدٍ جديدٍ من الزمن، بدأت ملامحه في تغييرنا تتشكل، فهل لك أن تتأمل؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) قسم الإدارة والتخطيط التربوي، كلية التربية – جامعة الكويت، مدينة صباح السالم الجامعية

 

عن Saadiah

شاهد أيضاً

دائرة الضوء؛ خلف جدار اسمنتي

أحمد ناصر السميط/ تمثل المعرفة المدخل الرئيس لبناء الفكر والثقافة الجماهيرية والفردية، وهذا الأمر تتوارثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *