مرة أخرى، وخلال أقل من عام، يصبح الداعية المصري الشهير عمرو خالد حديث الناس في وسائل التواصل الاجتماعي كلها. أجمعوا تقريبا هذه المرة على إدانته، إثر ظهوره في إعلان استهلاكي، رديء المستوى في الفكرة والمضمون والتنفيذ، نشره على صفحته في “فيسبوك” لترويج نوع معين من الدجاج، بحجة أنه يساعد على تأدية العبادات، خصوصا في رمضان بشكل أفضل. وهو الأمر الذي لم يستطع تأصيله، لا دينيا، ولا حتى صحيا، مما عرّضه لموجة هجوم كاسح.
وعلى الرغم من أن عمرو خالد كان يجد له في كل مرة مدافعين عن هفواته الكثيرة وأخطائه المتتالية، إلا أنه هذه المرة وقع فعلا من دون أن يجد من يسمّي عليه. وأصبح الدجاج الذي روّجه بصيغة دينية صرفة وبالا عليه، وربما أتت الدعاية التي صورها بالاشتراك مع سيدةٍ يبدو أنها مشهورة بوصفات الطبخ بشكل سلبي على المنتج. ولهذا اضطر إلى التنازل قليلا، وصور مقطعا جديدا وهو يعتذر فيه بلغةٍ مستعطفة عن تلك الحماقة، قبل أن يخسر ما تبقى له من إعجاب واحترام، وربما حبّ لدى بعض جمهوره القديم، ممن لا يزال يتابعه ويكرّس نجوميته التي بدأت بالأفول أخيرا بمتابعته في حساباته على “تويتر” و”فيسبوك”.
بدا عمرو خالد، في مشهد الاعتذار، منكسرا مشتّتا غير قادر على تقديم أي تبرير معقول لخلطه الرخيص بين ما هو ديني بحت، وهو الصلاة، وما هو استهلاكي خالص، وهو الأكل، حيث اعتبر في ذلك الإعلان أن أكل نوع معين من دجاج، ذكر اسم الشركة التي تبيعه، يوصل صاحبه إلى الارتقاء الديني، بل وصلت مبالغته في ترويج هذا النوع من الدجاج إلى الحد الذي اعتبره من شروط العبادات في رمضان. وقال حرفيا “لن ترتقي الروح إلا لما جسدك وبطنك يكونو صح مع الدجاج بخلطة آسيا”.
والغريب أنه حتى في أثناء الاعتذار المصوّر حاول، بصورة غير مباشرة، التبرير لنفسه، والانغماس في الدعاية لشركة الدجاج دينيا من جديد، فلمّح إلى أن الشركة وقف خيري، وأن أعمالها خيرية، وأن كلامه المنتشر عنها مجتزأ من مكانه. وهذا غير صحيح، وفقا للإعلان نفسه، ولردود كثيرين عليه، وهو يعني أن الاعتذار المصوّر ليس سوى مناورةٍ، في محاولة لوقف سيل السخرية والغضب تجاهه، حتى ممن يعتبرهم جمهوره الدائم، ولاستعادة ما فقده من ثقتهم فيه.
قبل شهور قليلة، كتبت في هذه المساحة في “العربي الجديد” مقالا بعنوان “هل انتهت ظاهرة عمرو خالد؟”، ذكرت فيه أن “هذه الظاهرة التي حولت الدين إلى سلعة استهلاكية و”بزنس” ناجح جدا يمكن استحلاب الأرباح منه بكل الأشكال الممكنة، ما دامت الجماهير تدفع بحماسةٍ شديدةٍ، نمت، بعد أن أوهمها هؤلاء أنهم هم المخلصون، وأن دعواتهم يمكن أن تضمن لأصحابها الجنة بلا حساب، فتضخمت أرصدة هؤلاء الدعاة البنكية في مقابل تضخم أحاديثهم عن قيمة التواضع، وتنوعت مظاهر ثرائهم في مقابل تنوع وسائلهم في اللهاث وراء الشهرة والنجومية والمعجبين والمعجبات”.
لا جديد إذن في ما قام به عمرو خالد، فهذه هي بضاعته التي اشتهر بها، هو ورفاقه، منذ ظهورهم قبل عقدين، وكل ما حدث أن الجماهير، قبل عشرين عاما، ليست هي الجماهير الآن، فقد كبر المعجبون والمعجبات على هامشٍ من وعيٍ جديد، ساهمت في إحداثه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي الذي سمح للجماهير بأن تتفاعل مع النجم بالنقد المباشر، وأسقط هالة السحر عنهم. كما أن انكشافهم العلمي والمعرفي على مدى سنين استنفدوا فيها كل حكاياتهم الساذجة، جعلهم، لأول مرة، مكشوفي الظهر أمام الجماهير التي، وإنْ ما زالت تتفضل عليهم بـ “اللايكات”، أصبحت تحاكمهم في مقابل ذلك على كل خطأ يرتكبونه بقسوةٍ ظاهرة، وكأنهم ينتقمون لأنفسهم من ماضٍ قريب، كانوا فيه يصفقون لهؤلاء الدعاة “الكول” في مقابل صكوكٍ للغفران الوهمي”.
وهذا يعني أن الظاهرة انتهت فعلا.. ولم يبق أمامنا سوى تشييعها غير مأسوف عليها.