حتى أنا فوجئت ببعض آرائي وما قلته في مقابلتي التلفزيونية التي تم بثها في برنامج “المشّاء” على شاشة قناة الجزيرة قبل أيام… أسئلة كثيرة سبق أن تلقيتها في مقابلات سابقة، لكنني متأكدة أن إجاباتي عليها كانت مختلفة هذه المرّة، إن ليس في المعنى فبالتأكيد في الصيغة والمبنى.
هل هي طبيعة البرنامج التي تحيطك بما يشبه السحر فتنتشي بنفسك، وبالمكان من حولك، لتبوح بما لم تستطع البوح به سابقا، وتنثال لتقول ما كنت تتحفظ على قوله دائما؟ أم هو مقدّم الحلقة ومعد الأسئلة الروائي الموهوب الشاب، خالد تركي، الذي فاجأني بأنه يعرفني تماما، ومطلع على تجربتي الشعرية في كل مراحلها، فيما اهتماماته روائية وليست شعرية، ما جعله يعدّ أسئلة، أحاطت بتلك التجربة المتواضعة بكل مراحلها ومنحنياتها ومنعطفاتها الإيجابية والسلبية، والتي تكاد تساوي عمره؟ ظهر بعضها في الحلقة، واختفى بعضها الآخر تحت وطأة المونتاج الضروري، بما يناسب الوقت المخصص للحلقة، لكنها بقيت في ذاكرتي، لتذكّرني بما ينبغي قوله أو كتابته. أم أن المشي نفسه الذي كان علينا، مقدّم الحلقة وأنا، أن نمارسه أمام الكاميرات التي أحاطت بنا من كل صوب، وأحصت خطواتنا بدقة، حيث فلسفة البرنامج وفكرته الأساسية، من بين برامج المقابلات التلفزيونية الأخرى، هما السر الحقيقي وراء تدفق الأفكار والكلمات المباحة وغير المباحة في خضم الأسئلة والأجوبة، على الرغم من ظروف التصوير المتقطع خلال يومين في أماكن مختلفة مختارة بعناية؟
ربما لكل هذه العوامل دور في ما استشعرته من رغبةٍ في الإجابات العفوية عن الأسئلة المعتنى بها، وإن بدت شديدة العفوية هي الأخرى. المهم أن الحلقة مضت بنا في ما يقل عن النصف ساعة على الشاشة، مستخلصة من ساعات كثيرة في التصوير، لتعيدني إلى أصل الكلام في برهة التفكير عبر المساحة ما بين السؤال والجواب.
واضحٌ أن الروائي والشاعر جمال العرضاوي مبتكر فكرة برنامج “المشّاء” ومخرجه قد استعار فكرة برنامجه الثقافي الجميل، والذي طاف في عدة عواصم ومدن عربية، وأحيانا أجنبية كثبرة، من الفلسفة المشّائية التي تنسب للفيلسوف اليوناني أرسطو، إذ كان يحلو له أن يحاضر في تلاميذه بين أروقة الملعب الرياضي الكبير في أثناء مشيهم على أقدامهم، فكانت معظم تلك المحاضرات أجوبة مفتوحة منه على أسئلة تلاميذه المتلاحقة في أثناء المشي، بما يشبه فكرة الانهمار المتتالي والمتصاعد تدريجيا.. ما شجّع رواد المدرسة العقلية في الفلسفة الإسلامية لاحقا على اتخاذها سبيلهم الأول للاستدلال العقلي في كل المسائل المنطقية والقضايا الفلسفية التي كانت تعترضهم في التفكّر والتدبر.
ربما لكل هذه العوامل دور في ما استشعرته من رغبةٍ في الإجابات العفوية عن الأسئلة المعتنى بها، وإن بدت شديدة العفوية هي الأخرى. المهم أن الحلقة مضت بنا في ما يقل عن النصف ساعة على الشاشة، مستخلصة من ساعات كثيرة في التصوير، لتعيدني إلى أصل الكلام في برهة التفكير عبر المساحة ما بين السؤال والجواب.
واضحٌ أن الروائي والشاعر جمال العرضاوي مبتكر فكرة برنامج “المشّاء” ومخرجه قد استعار فكرة برنامجه الثقافي الجميل، والذي طاف في عدة عواصم ومدن عربية، وأحيانا أجنبية كثبرة، من الفلسفة المشّائية التي تنسب للفيلسوف اليوناني أرسطو، إذ كان يحلو له أن يحاضر في تلاميذه بين أروقة الملعب الرياضي الكبير في أثناء مشيهم على أقدامهم، فكانت معظم تلك المحاضرات أجوبة مفتوحة منه على أسئلة تلاميذه المتلاحقة في أثناء المشي، بما يشبه فكرة الانهمار المتتالي والمتصاعد تدريجيا.. ما شجّع رواد المدرسة العقلية في الفلسفة الإسلامية لاحقا على اتخاذها سبيلهم الأول للاستدلال العقلي في كل المسائل المنطقية والقضايا الفلسفية التي كانت تعترضهم في التفكّر والتدبر.
(العربي الجديد/ 26 سبتمبر 2019)