من سيمسد شعرها
ويعزف لها السوناتا الأخيرة
تحت شرفة من حنين وأسى؟
من سيزرع صنوبرة في يمينها وأخرى في شمالها
بينما تضع كأسها على رخام الغواية بينهما؟
من سينتظرها، بمهارة العشاق في اقتناص مواعيدهم،
وبفراسة الشعراء في انتظار البهجة،
على حافة البئر بقصيدتين وأوركيديا وكتاب؟
من سينام سهواً في أقحوان منامها؟
من سيتمم مأساة النرجس ليكتب ملهاة الفضة؟
من سيواكب الغيم بنبوءة الملهمين
ويحترف هندسة الهواء كي ينث الغيث
على يباس القافية من أجلها؟
من سيمتدح الظل علوا في المكان
انتظارا لرضى شقائق النعمان في عزلة البراري؟
** ** ** **
من سينقش وجها للقمر بحجم خارطة فلسطين
كذاكرة للنسيان؟
من سيلامس السماء
بزهرتين من زهر اللوز.. أو أبعد؟
من سيتورط بمداهنة الهواء
كي يرسم وطنا بحدود من مودة ورحمة،
وبنكهة الياسمين،
وباسم فلسطين؟
ومن سينبه الذئب الى ما يلمح إليه إخوته الأعداء
من مكائد مستترة بمجازات الصداقة؟
من سيعبر فيضه الأبدي حنينا إلى قهوة أمه
والى الحقيقة وحدها ولكنه لن يعود ليخبرنا بها؟
ستكون غايته وقافيته..
سرّه وسريرته…
وسنكون شهودا على دموع الحصان الذي بقى وحيدا
يعيش الشجن الفلسطيني المعتق بالشعر والبارود والدم الساخن
والأمنيات المستحيلة
وسيمضي الشاعر باحثا عن أثر الفراشة الغائبة
يكتب نصوصا للغيب نيابة عنها
يحلق بأجنحة لها نكهة النثر حيث يصير قصيدا
ويرتمي في حضن إحدى غزالاته المائة
قبل أن تستسلم للمدى قرب إحدى جهاته البعيدة
حيث السراب يلوح بعلم ملون
وزهرة ليمون
ولحن لمارسيل خليفة.
** ** ** **
ماذا لو انتبه الذئب؟
هل سيظل سؤاله الأثير
في بستان الاستعارات اللغوية والمجازات النادرة دونما إجابة؟
(فلم يكن ليستسلم لغواية الإجابات السهلة)
هل سيرفع خصلته المغوية
بأصابعه المعروقة من فرط الكتابة والهوى
عن طلته الوسيمة، بالضرورة الشعرية،
ويعيد صياغة مكان النظارة الثقيلة على أرنبة انفه
وبصوته المشعل وجدا يقول الكلام الأول؟
هل سيجوهره نجمة في سماء اللغة العربية
شيناً وعيناً وراء، ويشذب أطرافه الناتئة
بصبر الصائغ المحترف
على نار لا تهدأ إلا ليحسن على وهجها صنع قهوته المرة؟
لا بد أنه، أثناء كل هذا، سيكترث جدا لصبية تعبر الشارع
بعينين زائغتين وقلب مضطرم ودم يفور..
وسيغمز لابتسامتها الخائفة
أن امضي لموعدك الحييّ مع الياسمين القصي..
ويعود لفيض قهوته على حافة النار..
شعرا وموسيقى
ووطنا ذاهلا عن جبروت تاريخه..
** ** ** **
من سينام الليلة على سرير الغريبة؟
من سيصقل ليل بهجتها نجمةً.. نجمةً
ويفرش بداهتها باستعارات ترتوي من نهر لغته الفادحة؟
من سيبحث عن لؤلؤ الخاسرين بين أصابعها
وهي تفتش عن وطن حرون؟
من سيضيء عتمتها بزمرد الكلمات؟
من سيبحث عن سماء أقل ارتفاعا
فيؤثث ما تحتها برقصة فالس
وعش سنونوة خائفة
واسمٍ مؤنث حتى النهاية؟
** ** ** **
لا أحد..
لا أحد..
فمحمود درويش الذي حاصر حصاره
بقافية وسنبلتين ونظارة ثقيلة وفنجان قهوة وحبيبة متعددة،
لفرط الاحتمالات في اكتمال رجولته،
ذهب في نومه الأبدي
لتكتمل القصيدة.
سعدية مفرح
(القبس / 10 أغسطس 2008)