اتفق جميع المفكِّرين وفلاسفة الفن وحتى علماء النفس على أن الفن حالة فطرية إنسانية تتطوَّر بفعل التربية والتعليم والظروف الاجتماعية والبيئية المحيطة بها. وأنا من واقع تجربتي وقناعتي أؤمن بذلك الرأي. ومع ذلك، هناك جانب الموهبة التي تختلف نسبياً من شخص إلى آخر. إلَّا أن الأمر الحاسم في هذه الموهبة هو بكل تأكيد التراكم التاريخي الفني والمعرفي والثقافي لدى الفنان نفسه، الذي يوفِّره المجتمع في تطوّره التاريخي الثقافي، ودعم هذا التطوُّر من خلال العناية به. لذلك، فإن الفنان الموهوب لن يتمكَّن من خلال موهبته فقط أن يبدع من دون توفير المثابرة والدعم والتعلُّم والمناخ المناسب لتنمية الإبداع، لا سيما التعليم منذ الطفولة.
الموهبة تكمن في الرغبة ولا بدَّ من التعلُّم
د. لينا قطان، أستاذ مساعد في الفنون البصرية وفنون الأداء
هذا سؤال جدلي. فأنا أعتقد أنه يمكن تعلُّم أساسيات الفن والتقنيات والأساليب، ولكني لا أرى أن ربط الفن بالموهبة الفردية أمر صحيح إلى حد كبير. فنحن أمام عنصرين مهمَّين، هما التعليم الصحيح والرغبة، ومن هذين العنصرين يأتي الابتكار والإبداع، بعد طول الممارسة والتجريب. وأعتقد أن الموهبة تكمن في الرغبة. ومع ذلك، لا أميل كثيراً إلى المبالغة في تقدير الموهبة. فطالما أن شخصاً ما شغوف بفنٍ ما، فإنه سوف يطوّره، و”يشتغل على نفسه” كما يقال بالعامية. أما في الخلاصة، أي عند الوصول إلى تقييم النتاج الفني الجيّد، أجد نفسي أميل أكثر إلى المفهوم الذي يقول إن الفن نتاج تراكم تاريخي وبيئي واجتماعي.
الشغف والتدريب يصقل الموهبة
أ. عادل الزهراني، مخرج ومُعدّ برامج إذاعية، عازف ومدرِّب جيتار محترف
أرى أن العمل الفني الأصيل، هو أولاً نتاج موهبة تُخلق أساساً مع ذلك الإنسان وتميزه، تماماً كشكل ولون ذلك الإنسان. ولكن تلك الموهبة الفطرية لن ترى النور إلا من خلال عدَّة عناصر، منها اكتشاف تلك الموهبة بالأساس، ثم تدريب ذلك الموهوب بطريقة علمية متدرّجة ومدروسة على أيدي خبراء. ثم يأتي بعد ذلك الفنان بنتيجة أو عمل فني.
وثَمَّة عوامل عديدة تؤثِّر بدورها على العمل الفني وعلى طريقة تشكيله، منها الثقافة والخبرات، والأهم من ذلك الصدق والرغبة الدائمة في الممارسة والأداء وعدم التصنع أو التقليد الأجوف. ولكي يلمس ذلك العمل الفني الناس أيضاً تتدخَّل هنا شخصية وكاريزما أو روح ذلك الفنان، وتقبّل المتلقين لتلك الروح وحبهم لها. فالعمل الفني هو مجموع تلك العناصر كلها، ولا تفيد الموهبة وحدها في تقديم عمل فني حقيقي ومؤثِّر، ولا التدريب والثقافة أيضاً يقدِّمان عملاً فنياً أصيلاً من دون موهبة الفنان الفطرية وشغفه ورغبته في صقلها.
الفن عمل فردي
أ. أزهار الصادق، فنانة تشكيلية
يُعدُّ الفن مزيجاً من موروث ثقافي فكري وأدوات وثقافات من الحاضر بحداثته وتقدّمه. فالعمل الفني يخضع لتاريخ عريق يصعب الإفلات منه، ولكنه يملك كثيراً من المرونة، بحيث يستطيع الفنان توظيف أفكاره الحديثة في عمله الفني ليحصل على نتيجة تجمع الأصالة والحداثة معاً.
الفن بلا شك يتأثر بالبيئة المحيطة والظروف، ومتطلبات الحياة المتجدِّدة باستمرار تجعل الفنان في بحث دائم عما يتناسب ويتفق مع ذائقة المتلقي بل واحتياجاته أيضاً.
فالفن عمل فردي للإنسان. وهذه المفردة (الفن) مكوَّنة من حرفين، لكنَّها من أعقد الأمور التي يمكن الحديث عنها في سطور. فالفن نوع من أنواع النشاط الروحي للإنسان الذي يسعى من خلاله إلى التكامل وبناء الشخصية وتحقيق ذاته المنفردة التي لا يشبهها أحد. وهنا تطغى الأنا لدى الفنان، وتظهر جليةً في عمله الدؤوب للتميز والبحث عن ابتكارات وإبداعات يكون له سبق الوصول لها.
الموهبة قبل البيئة
د. مياسة السويدي، فنانة تشكيلية
الفن موهبة قبل أن يكون بيئة اجتماعية. لذا أرى أن الفنان يستخرج موهبته من خلال عمله في البداية. إذ إن البدايات هي الأساس لأي موهبة كانت، ولا يمكن لأي كائن أن يحدِّد ما يريد من دون أن يكون موهوباً. وبعد ذلك تأتي الظروف التي يمكنها أن تساعد الفنان في الاستمرار. ومن هذا الباب تدخل البيئة المحيطة بالفنان، فقد تكون بيئة فنية من خلال الأسرة فيستطيع تنميتها ونقلها إلى العالم بكل سهولة. وقد يحتاج الفنان إلى بيئة فنية يتعامل معها كي يتمكَّن من مواصلة عرض مواهبه الفنية، وتوفر له مزيداً من الاحتكاك بالعاملين في الحقل نفسه، وهذا ما يساعده على تقديم رؤى جديدة.
ومن وجهة نظري أرى أن البيئة قد تساعد صاحب الموهبة، ولكنها لا تصنع الموهبة.
(**حقوق النشر محفوظة لمجلة القافلة، أرامكو السعودية / 9 فبراير 2020)