بقلم: ميسر الشمري
أي سيرة لأي مخلوق، تعتبر – من وجهة نظري – ناقصة ما لم تتوج بالموت، لذا اخترت هذا العنوان (سير ناقصة) لأكتب لكم تحته عن أدباء شباب لازالوا يمارسون البقاء والرفض بكل ما أوتوا من حبر، ولم يكن اختياري للكتابة تحت هذا العنوان من قبيل الرفض المبطن، بل إنه مجاراة لموجة تكريم الأحياء التي اجتاحت وطننا العربي هذه الأيام، وهذا لا يعنى أنني أتكرم – كما يتكرم الآخرون – على من أكتب عنهم، لكنني أحسست أنني سأمتلئ شرفاً وأنا أكتب عن هكذا أدباء نذروا أنفسهم للآخرين.
اعتقد أن الأزمة التي تمر بها الثقافة العربية، لا توازي في حقيقتها نصف الأزمة التي يمر بها المبدع في منطقة الخليج، إذ أن المبدع الخليجي لازال يعاني من عدم وجود القاعدة التي يتكئ عليها، فالمثقف المصري أو العراقي أو الشامي مثلاً فتح عينيه ليجد نفسه متواصلاً مع امرؤ القيس والمتنبي وغيرهم ممن أثروا الحياة الثقافية العربية لكن المثقف الخليجي ولد ليجد نفسه أسيراً لثلاثمائه عام من العزلة، هي تلك الأعوام التي كانت منطقة الخليج ترزح فيها تحت نير الاستعمارين العسكري والقبلي مما أدى إلي تراجع مستوى أبنائها الثقافي والتعليمي واعتمادهم شبه المطلق على الشعر النبطي، وهذا الاعتماد الكلي على الشعر النبطي انعكس على كتابات الأدباء الشباب في المنطقة، حتى بات التضمين (تضمين الشعر النبطي لقصيدة الفصحى) سمة مشتركة لدى الكثير من أدباء المنطقة، هذا بالإضافة إلي الصورة الشعرية والمفردة التي تمكن البعض من ترويضها بطريقة تؤهله لأن يكون مؤسسا لثقافة جديدة، وسعدية مفرح (موضوع حديثنا اليوم) أحد أبرز الأقلام الشابة التي استطاعت أن تتجاوز العزلة وتؤسس لنفسها لغة خاصة، وهذا ما سهل عليها ترويض بعض المفردات (البدوية) النافرة التي تستخدمها كثيراً..
تعذبني كل التفاصيل التي
لم تغادر مرفأ الذاكرة
فحين تعج بصدري رياح التغير
فتاجئني ضرباتها في جدار التذكر
ترش التصور أثر التصور
لبيت من الشعر
في لون عيني لونه
تمتد أوتاره ضاربة في ثنايا الفؤاد
ساخرة لرائحة لم تزل رغم كل عطور التحضر
لاصقة بخلايا ثيابي
تذكرني بغيابي
وتعلن ساخرة
أننى كنت صانعة، ليس مثلي أحد
لقهوة اسرق، أن لم أجد
بنا الونها به، من عيوني السواد
أهليها، أن لم أجد هيلا
بما ينبت من عطر
بين خلايا العناد
واتكاء سعدية مفرح على التراث المحلي القريب. ومشاركتها في تأسيس القاعدة الصحيحة لا يعنى بالضرورة انسلاخها من التراث العربي فقصيدتها لازالت تعج بالكثير من مقومات الشعر العربي كالموسيقى / التطريب والصورة الجميلة. هذا بالإضافة لطرحها لأسئلة معاصرة غاية في الضرورة ..
أنت لن تبعد أكثر
أنت لن تقوى على السير وحيداً تتعثر
في دروب لا سمارات لها
في ظلامات من الضوء المدثر
واضاءات تبناها الظلام
فإذا ما ضاع عنوان لديك
تذكر
أنت لم تنسى عناوين الخيام.
ومثل هذا الطرح، واعتمادها في قصائد أخرى على العمق الثقافي البعيد للمنطقة واستلهامها له بطريقة مدروسة بعيداً عن التقليدية. اتاح للكثيرين فرصة محاربتها، كما حدث لها في قصيدة (حلم ليلة صيف)، لكن، ولان سعدية مفرح الانسانة لا تختلف عن سعدية الشاعرة، كما هو حال البعض استطاعت بحزمها وعنادها وإصرارها أن تواصل وأن تدفع للمطبعة بمجموعتها الأولي والتي سترى النور قريبا تحت عنوان (آخر الحالمين)، انخرطت سعدية مفرح في العمل الصحفي منذ تخرجها من جامعة الكويت قسم اللغة العربية عام 1986م، تكتب المقالة الصحفية بشكل مذهل، لها عدة مقالات نقدية في منتهى النضوج والوضوح، تعمل الآن رئيسة للقسم الثقافي في جريدة الوطن، وكانت قبل ذلك قد عملت محررة في الجريدة ذاتها، لا أعلم بالتحديد ما هي جنسيتها، لأن الكويت علمتنا على عدم التمييز، إلا أنها عربية، وهذا في الحقيقة ما دفعني للكتابة عنها خاصة وأننا نعيش عصر اختلطت فيه الهويات، الثقافية منها والثبوتية.
ختاماً.. اعترف أنني توخيت الحذر في كل ما كتبت عن هذه المهرة المسماة سعدية، وهذا قد يخلق ربكة – أو أنه خلق – إلا أنني لم ولن أتمكن من ملاحظتها..
أخبار الأسبوع (القطرية)– السنة 4 العدد 197 السبت فبراير 1990م