وشي الربيع!

بقلم: اسحاق الشيخ يعقوب

إنه ديوان الشاعرة سعدية مفرح صدر حديثاً تحت عنوان (آخر الحالمين كان)..

غلافه عين لمضمونه .. عنوانه عين لمضمون معين وإهداؤه عين لمضمون آخر .. واشعاره عين لمضامين عديدة تتدفق كالشلال في تضاريس الصخور .. إلا أن جميع هذه المضامين تتوحد في نزعة واحدة هي مجد الإنسان ووصل التراث.

واتى إهداء الديوان متسقاً مع شاعرية فرشاة الفنان نوفل الجنابي.

(إلى نخلة شامخة ورجال طيبين… هي أمي وهم أخوتي) متمثلاً في الوطن والشعب .. وهما نبض كل قصيدة احتواها الديوان..

وتضخمت كل مفردة منها بلظى الوجد وحنين التراث الإنسانيين.

وتألقت فرشاة الفنان (سامي البلوشي) داخل صفحات الديوان ببساطة الحركة وجمالية الأداء وثراء الإيماءة في رمزية المضامين والمعاني فأضفت على الديوان بعداً تأملياً.. ينغمر فيه المتلقي في تناوله لهذه القصيدة وتلك ..

وسعدية مفرح تتمتع بصفاء الذهن وتوقد شرف الضمير .. وبشاعرية شفافة .. تزخر بالعذوبة وبسلاسة التركيب والتداخل والرمزية المتوهجة .. التي تقتحم شغاف القلب وترج قاع النفس وتحرك كوامن أشجانها…

ورمزية القصيدة تنسجم وتتناسج مع التضمينات الاجتماعية والفكرية والتراثية.. إلا أن هذه التضمينات الاجتماعية والفكرية والتراثية .. إلا أن هذه التضمينات الاجتماعية في بعض قصائدها نرج بمجاديفها: غياب بحور الرمزية اللازاوردي .. فتطفو هذه التضمينات الاجتماعية جميلة متألقة على سطح القصيدة.

وسعدية مفرح: تستخدم الموروث (البدوي) استخداماً جميلاً يتسق ويتناغم مع فكرة القصيدة وتأنقها.. فيضفي عليها نكهة خاصة .. ويندف جميل الموروث في تضاريس النفس فكلمة (الخرج) و(القبيلة) و(الذلول) و(الرواق) و(اليضا) و(الدالة) و(الهيل) و(الجباري) و(الطرش) و(الكراكيش) وغيرها من الكلمات المستخدمة لدى قبائل البادية وهي مفردات تثير لدى المتلقي مجد الآباء والأجداد.. وتضمخ النفس بتراث لا أبالغ إذا قلت: أن شميمه لا يزال يملأ بروائحه الجميلة أنفاس أنفاسي.

لرائحة لم تزل.

رغم كل عطور التحضر لاصقة بخلايا ثيابي.

تذكرني بغيابي

وتعلن سافرة أنني كنت صانعة

ليس مثلي أحد

لقهوة، أسرق أن لم أجد

بنا ألونها به

من عيون السواد

أهيلها، أن لم أجد هيلاً

بما ينبت من عطر

بين خلايا العناد

وفي هذه القصيدة تستخدم بعض الأبيات الشعرية من قصيدة مشهورة (لهذال بن حثلين

لكن وصتك هذه المرة..

تسلل من خلل “رواق” حين رحلت والضوء النائم خلف “الرجم” آفاق “ياما حلا الفنجال مع سيحة البال”.

قافيه تترى:

“في مجلس مافيه نفس ثقيلة”

تنداح بإذني:

هذا ولد عم وهذا ولد خال وهذا رفيق ما لقينا بديلة”.

فأشد “رواق” الاذن

أخري حبل القلب

أكسر اعمدة البيت

وتستمر سعدية مفرح في قصيدتها وأبياتها تنزف دما وموسيقى.. وتندف عطراً وثلجاً. إلا أن تقول:

عندما تطمن روحك

لمناخات “الذلول”

عندما لا يقدر أن ينساب

في أنفاسكم عطر الياسمين عد تجدني

بين ثوبي وعباءاتي أربي

وردة الهيل

بأرض المستحيل

يا لها من شاعرة واعدة .. سحبها كثيفة وغيومها مربدة..

وخيوط مفرداتها الشعرية تنفرط في قاع القلب .. كما تنفرط حبات المطر في أرض يابسة.. تضرم نيران مجد الوطن .. وتقدم شذى الورد والموسيقى للناس الطيبين.

 

جريدة اليوم (السعودية) 10 اغسطس 1990

 

 

عن Saadiah

شاهد أيضاً

23.عائشة صيام ،انطباعات

انطباعات   عائشة صيام من كل هذي الريح اخترت عاصفة هزمت لأسكنها.. من كل هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *