سعدية مفرح.. اخر الحالمين كان.. «بوح لذات صارخة من مئات السنين
حسن احمد عبدالله
تأخذنا الكتابة في الزمن الصعب الى واحات الراحة لتروي ظمأننا المحرور من وهج الشمس في الترحال المتعب في دهاليز الحياة, وتنقلت القصيدة من بين قضبان الصور لتمتطى فرسا جموحا تشتعل حنينا للسفر في فردوس الكلمات.
انها محاولة لقرأة ؛اخر الحالمين كان« مغايرة في التفاصيل لبيان لحظة القرأة المضادة المبينة على خبث نقدي لهدم ملكوت اللذات الذي تبنيه سعدية مفرح في قصائدها التي انحشرت بين دفتي غلاف الكتاب, وفازت بجائزة سعاد الصباح للشعر, فهي تكتب بلغة خاصة بها منسجمة بأدق تفاصيلها مع الأنثى القابعة في اعماقها والصارهة بوجه الترجي كي يطلق اسر الامنية لتتدحرج كوهج الشمس الى صباح الواقع ؛اخرهم كان بانتحار الاغاني التي ايبستها رياح التحول انضجتها من فوق جمر التكون, بدء التكون في قاففلة الضوء الجديد اسكنتها بظنون التلون بين الصراخ والحشرجات التي كانت تصادرها اذاننا واضلاعنا واحلامنا واقلامنا وتملؤها من بقايا صديد.
فالمرأة العربية حالمة بالتمرد في واقعها متلذذة بهذا اللتمرد الذي يبقى دائما سجين الذاكرة والحلم, لذلك يكون ابداعها دائما محكوما بالاخر المنتظر ان يظهر من ثنايا الوقت.
؛حين أتي
كانت رياح القلب
في اوج استكانتها« اتى في لحظة الهدوء المريب ليكون بوابة مشرعة لحلم جديد, هذه هي مشكلة الحلم المبدع التوق الدائم لحلم آخر حلم لا يتحقق بتباعد مع مرور الوقت عن الواقع ويتحول الى حركة تعبيرية ذات وقع مريب في ذاكرة العمر
؛لم يكن فارسا
ولا سدرة تنتهي بين يديها البنات الجميلات ولا عاشقة لأمرأة صلبة؛.
تتفتح العبارة على مدار جديد لتؤلف قاسما منالصورة المرتكبة في تفاصيلها الكثيرة الالوان:
؛وحدها المرأة اليابسة
رسمت منه وجها نبيلا
وجاءت بمهر عصر أسرجته
وحين استدار الى الشمس
استدارت الى قلبها.
لقد انزحت الفاصيل الى اماكن مغايرة لأماكنها الطبيعية, وتحولت الواحة الخضراء الى يابس يتعطش لأخضرار ينبته مطر الحب الموهوم , لذلك تكثر الأسئلة وتصرخ للماذا?
؛لماذا يترك الولد الذكي بلاده
نحو الغواية,
والنوى
وفنادق الغرباء,
السؤال هنا يحتاج لأمرأة تعذبها كل التفاصيل التي لم تغادر مرفأ الذاكرة.
؛فعين تعج بصدري رياح التغيير
تفاجئني ضرباتها في جدار التذكر,
ترى هل هي محاولة لوضع الذاكرة ؛حقيبة السفر, او طيها بين اوراق جواز السفر, فالكتابة هنا بوح لما هو داخلي يتأجج فذ ذات صارخة من مئات السينين, راكضة في صحراء البحث عن عالم جديد اخر مختلف لذلك العالم الذي لم يتغير مضمونه منذ عشرات مئات السنين.
القصيدة عند سعدية مفرح مولودة من رحم بيوت الشعر ورائحة البن والهال, ومتأججة بمواقد السمر المنادية على التائهين في ليل الصحراء, انها محاولة مشروعة للتعبير عن الذات المعاصرة الشابة, تحاول قدر الامكان الاستفادة من تراثها في تكون الواقع الحالي لتكون معبرة عن شخصية الجيل الحالي ناطقة مثلها مثل عشرات المبدعين الشباب العرب بأسم ابداع هذا الجيل ذي الملامح الواضحة, فهو قد تكون في رحم مرحلة تاريخية مريرة, كان الخريف فيها اطول الفصول على الاطلاق, وهزت ريح الاحداث اغصان شجرة حتى فقد كل الاوراق التي تستر احلامه.
لذلك يكون الشعر هنا ذا لغة حاصة مميزة , ولها نكهتها الخاصة التي كونتها التجربة المريرة التي انتجت هذا الجيل. اخر الحالمين كان « ليس بيان شعري خاص بسعدية مفرح انه محاولة لخطاب شعري لجيل الابداع العربي الشاب الذي يحاون ان يثبت وجوده في هذه الساحة المتسعة الارجاء.
لا شك ان هذه المحاولة اضافة جديدة او محاولة لاضافة جديدة, لكنها مرتبطة بسلسة ابداعية عربية طويلة تكاد تغطي مساحة الاف الشباب العرب المبدعين.
جريدة الاتحاد الاماراتية عدد 2/6/1993