“لا تقصص رؤياك” رواية الكاتب الموهوب عبدالوهاب الحمادي الجديدة تدخل نادي المنع في الكويت، وكالعادة بلا أسباب معلنة من قبل السيد الرقيب حتى الآن. وهذه الرواية ليست الأولى التي تمنع ولن تكون الأخيرة في ظل العمل الرقابي بهذا الشكل الغامض حيث لا أحد منا يعرف المعايير التي يستند إليها الرقيب وهو يقرر منع هذا الكتاب أو ذك من التداول في الكويت. صح أن هناك معايير معلنة وفقا لقانون النشر والمطبوعات في الكويت، لكنها معايير غائمة وغامضة وغير واضحة المعالم ولا نعرف بالضبط كيف يتم تطبيقها على الأعمال الأدبية تحديدا. وهكذا ازدادت عدد الكتب الأدبية التي تمنع من التداول ومن العرض في معرض الكتاب في الكويت، وبالمقابل ازداد عدد الكتب التي لا يمكن أو توصف إلا بـ “التافهة” التي يسمح بتداولها وعرضها، وكل هذا يتم باسم قانون المطبوعات وعلى يد الرقابة في وزارة الإعلام.
من المستفيد من هذا التخبط في التعامل مع الكتب الأدبية بالذات وخصوصا قبيل كل معرض جديد للكتاب؟ لا يمكن أن تكون الحالة الثقافية في الكويت هي المستفيدة، وبالتأكيد ليس القارئ الذي تمنع الكتب باسمه ولمصلحته كما يقول الرقيب عادة. أما المؤلف الذي يتذرع البعض بأن منع كتابه سيساهم في رواجه وانتشاره بين القراء فلا أظن أن مثل هذا الانتشار والرواج غير الطبيعي سيسعده فعلا، ذلك أنه رواج غير طبيعي ولا حقيقي ولا يمثل رأيا واقعيا للقارئ بالكتاب بقدر ما يمثل ردة فعل عكسية تجاه خبر منعه. فالقارئ في هذه الحالة لا يقبل على قراءة الكتاب المقصود إعجابا به أو محاولة للاستفادة منه بل استجابة للفضول في محاولة لسبب منعه وبحثا فيه عن إثارة متوقعة غالبا ما تكون هي سبب المنع في الحالات العادية. وهذا كله لا يندرج في الاطار الذي يتمناه الكاتب لكاتبه وهو يراه بين يدي القراء. وحتى لو استفاد الكاتب قليلا من منع كتابه في الترويج له أو في انتشاره اسمه والتعريف به بين القراء الجدد والمحتملين فإنها استفادة قليلة جدا ومحدودة الأثر في مقابل الخسائر التي يتكبدها الكاتب الذي يمنع كتابه، ومنها مثلا حرمانه من فرصة الترشح لأي جائزة في وطنه، وتشويه سمعته بين عدد من الناس الذين يعتمدون في أحكامهم على الأخرين اتكاء على القرارات “الحكومية” مثلا ، بالاضافة الى محدودية توزيع الكتاب في بلد الكاتب حتى مع انتشار عنوانه خبريا. ورغم كل هذا لا يمكن مقارنة خسائر الكاتب بخسائر الحالة الثقافية والكويت بأسرها عند منع كتاب، لا يستحق المنع، من النشر والتداول والعرض. فعلاوة على السمعة المشينة التي ستلحق بالحالة الثقافية الوطنية ستعاني الكويت من حرج كبير أمام الدول الـأخرة ، خصوصا المجاولة، التي تسمح بعرض هذا الكتاب في مكتباتها ومعارضها.
إن رواية عبد الوهاب الحمادي التي منعت من التداول في الكويت قبل أيام قليلة وقبلها رواية عبدالله البصيص “ذكريات ضالة”، ونحن نتخذهما الآن كأحدث مثالين على تعسف الرقابة..وغيرهما كثير، سبق وأن سمح بدخولهما في دول خليجية مجاورة كان ينظر لها في السابق باعتبارها رمزا للمحافظة الدينية والثقافية والاجتماعية الأشد عربيا وربما عالميا، فهل أصبحت رقابتنا هى الأكثر قسوة بين مثيلاتها؟.
وتخيلوا أيضا لو أن الكتاب الممنوع من التداول والعرض في بلد مؤلفه وهو يفوز بجائزة عربية أو عالمية على سبيل المثال. أي حرج ستلحقه الرقابة بالكويت في تلك الحالة، وهي حالة واقعية جدا وغير مستبعدة في ظل ترشح عدد كبير نسبيا من الدواوين والروايات الكويتية لجوائز عربية مرموقة؟.
حسنا.. نعرف أن الرقابة لم تعد فكرة مجدية تماما في ظل ظهور حلول إلكترونية عديدة يمكن أن يعبر الكتاب من خلالها كل الحواجز والحدود، ولكن هذا لا يعني أبدا السكوت على تلك الفكرة غير المجدية لأنها وإن لم تنجح في منع الكتاب من الانتشار فإنها تنجح في إحباط الكاتب وتشويه السمعة الثقافية وكذلك السياسية للبلد كما أنها تكرس وضعا غير طبيعي في دورة أي كتاب ما بين التأليف والقراءة.
والغريب، بعد هذا كل أن تمنع الكتب ولا يعلن عن أسباب منعها، فحتى لو كانت هناك أسباب منطقية للمنع من حق القارئ بالإضافة إلى حق الكاتب أن يعرفها ليعرف أسباب حرمانه من الحصول على كتاب معين لكاتبه المفضل. فمن يهتم بتأمين هذا الحق له؟.
يقول البصيص أن “الرقابة لا تريد كتبا تحرث الواقع الاجتماعي والسياسي وتكشف زيف المجتمع، تريد شيئا بعيدا عن هذا وليكن فيه من التجاوزات ما يكن”. ويقول الحمادي أن “روايتي منعت ربما لأنني قصصت رؤياي عن وطني”، فماذا يقول الرقيب؟.
(القبس / 27 أكتوبر 2014)