زرت معرض الكتاب الدولي الذي يقام حاليا في الكويت ثلاث مرات خلال الايام الخمسة الأولى من أيامه العشرة، وخرجت بقليل من الهوامش على متنه المثقل بالكتب والزحام وحفلات التوقيع.. والرقابة.
كعادتنا، نبدأ حديث معرض الكتاب بحديث الرقابة على الكتب، ونكرر رفضنا لازدواجيتها ولعشوائيتها ولتشددها ولتعسفها وللامنطقيتها ولعدم وضوح سياستها، ولتشجيع البعض لها بحجج مختلفة، و..و..و… ولكن ما الحل؟.
يقول البعض ان كل حملات مناهضة الرقابة عبارة عن جعجعة بلا طحين، لأن الرقابة على الكتب في الكويت تتم تنفيذا لقانون المطبوعات والنشر الصادر وفقا لقنوات دستورية، وان المطالبات بإلغاء الرقابة، أو تخفيفها مثلا، ينبغي أن توجه لمن أصدر هذا القانون فقط.
ولا أدري لماذا افترض هذا البعض أن حملات الرقابة ليست موجهة فعلا لمن أصدر القانون، وأنها مجرد حملات موسمية للجعجعة. ثم إن كانت مطالباتنا عبر الكتابة والاعتصامات وغيرها برفع سقف الرقابة على كتب معرض الكتاب تحديدا، مجرد جعجعة موسمية فكيف نوصل صوتنا لمن أصدر القانون إذاً؟ كيف «نجعجع» متوقعين طحينا حقيقيا؟ من الواضح تماما أن هذا النوع من «الجعجعة» هو معظم ما نملكه الآن دفعا لتسلط فكرة الرقابة، ليس على الكتب وحدها، بل على كل شيء في حياتنا، وهي إن لم تنتج الطحين المتوقع فعلى الأقل تجعل من فكرة رفض التسلط الرقابي فكرة حاضرة في ظل ظهور بوادر «غريبة» للتصالح مع فكرة الرقابة باعتبارها نوعا من الحماية المطلوبة للفرد، وكأن هذا الفرد غير قادر على حماية نفسه بنفسه واختيار ما يناسبه من قراءات.
الغريب أن الناشرين أنفسهم أصبحوا يتضايقون من الحملات التي نشنها، كصحافيين وكتاب، ضد الرقابة، لأنهم يرون أن ذلك يشجع الناس على تجاهل المعرض كله والحكم عليه سلبا، وبالتالي عدم زيارته وهو ما يعرضهم للخسارة في النهاية.
لكن للناشرين منطقهم الذي لا يخرج غالبا عن إطار الربح والخسارة بالمعنى المادي وحسب، ولذلك فهم لا يتضايقون من تشدد الرقابة وتعسفها، كما قد يبدو للبعض، لانهم، كتجار، أصبحوا يواجهونها بحيل تخدمهم وتخدمها وتضر بالقارئ والكاتب والكتاب.
ولعل أخطر ما حدث على صعيد الرقابة على الكتب في السنوات الأخيرة أن كثيرا من الناشرين العرب أصبحوا رقباء على الكتب التي يقدمها لهم المؤلفون للنشر، وذلك استجابة لسياسات الرقابة في بلداننا، ولأن أغلبهم لا يهمه سوى بيع أكبر عدد من نسخ الكتب، وهذا غالبا لا يتم إلا أثناء معارض الكتب! فلم يعد الناشر يهتم بمستوى ما يقدم له من كتب بقدر اهتمامه بعدم احتوائه على الممنوعات التقليدية.
والغريب أن هناك من الناشرين من بدأ يلجأ لحيلة بائسة دفعا للرقابة في بلدان الخليج تحديدا، فيطبع طبعتين من الكتاب المعني؛ احداهما خالية من المحظورات الرقابية وتخصص لمعارض الكتب الخليجية، وخصوصا معرض الكويت، وهو الأشد في تطبيق قوانين الرقابة الصارمة على الكتب من بين المعارض العربية كلها، والأخرى كاملة وغير منقوصة، لبقية معارض الكتب العربية. وانتظروا النتائج السلبية لمثل هذه الحيلة إن انتشرت لاحقا!
لم ينته الحديث عن الرقابة ولا عن الهوامش الأخرى.. ولم تنته أيام المعرض بعد.. فلعلنا نعود!
(القبس/ 25 نوفمبر، 2013)