لن تجد البنت أفضل من شقيقها صديقًا لها في الحياة، مهما حدث بينهما من خلافاتٍ واختلافات. كتفه أكثر الأمكنة أمانًا، لكي تضع رأسها عليه. هكذا أرى كتف شقيقي شخصيا. وسادتي الأجمل في هذه الحياة.
ولا صديق حقيقيا لامرأة، أي امرأة، أفضل وأكثر إخلاصًا من شقيقها، حتى لو لم يعبّرا عن ذلك أبدًا. لا يعبر الأشقاء عادةً عن مشاعرهم تجاه بعضهم بعضا، وربما لا يكتشفون هذه المشاعر إلا في حالاتٍ معينة.
لم تهتم الثقافة العربية كثيرا بعلاقة الأخ بأخته، ولا أتذكّر إلا القليل جدا من القصائد التي اهتمت بعلاقةٍ كهذه. وقبل عدة سنوات، كنت مهتمة برصد ما كتب من شعر ونثر في العلاقة بين الشقيق وشقيقته في الأدب العربي، فلم أجد إلا القليل جدا.
يومها لفتني كتابان جميلان جدا، أولهما رواية باهرة عنوانها “كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد” للكاتب سعيد نوح، والآخر ديوان شعر بعنوان “مقام السروة” للشاعر عقل العويط. وكلا الكتابين احتفاء نوعي وفريد بعلاقة الأخ بأخته، والغريب أن الأخت فيهما ميتة. أي أن الروائي والشاعر يحتفيان، كلٌّ على حدة، بالأخت بعد رحيلها، فتبدو المشاعر أكثر صدقا وشفافية، وتبدو العواطف متأجّجة في سحاباتٍ نورانيةٍ موشاة بقدسيةٍ من نوع خاص، ويبدو الرثاء أقرب إلى أن يكون أغنيةً سرمديةً منذ الأزل إلى الأبد.
عندما وقعتُ، في رحلة البحث المضنية بين الكتب، على الكتابين، غرقت يومها في محاولةٍ لفهم تفاصيل العلاقة التي تبدو طبيعية بين الأخ والأخت، لكنها في جانب منها مبهمة وغامضة، لأنها، على الرغم من طبيعيتها وعاديتها غير مكتشفة إبداعيا، أي أن قلة قليلة جدا، بل ونادرة، من المبدعين كتبوا عنها.
لم أجد أسباباً واضحة ونهائية لعزوف المبدعين، والمبدعات، العرب خصوصا، عن الكتابة في هذا الموضوع الحاضر يوميا، والمعيش صدقا متواترا وتفصيليا، سوى أن هؤلاء المبدعين، في خضم بحثهم عن المتفرد المطلق من العلاقات والأشياء واليوميات والمُثُل، يمرّون على علاقاتهم بإخوانهم عموماً وأخواتهم، كما المبدعات وإخوانهن، خصوصاً ذلك المرور العابر باعتبارها مما لا يثير أحداً لفرط مشاعيتها وعاديتها. لكنني أرى أن هاتين المشاعية والعادية تحديداً يمكن أن تكونا نفسَيهما منطلقاً للكتابة الإبداعية المختلفة.
كتبت، قبل فترة، تغريدات على “تويتر” عن العلاقة بين الأخ وأخته، على صعيد التصرّفات الأسرية الاجتماعية، ذكرت فيها أن فتياتٍ عربياتٍ كثيراتٍ يتضايقن مما يعتبرنه تحكماً من أشقائهن بهن، وتضييقًا عليهن من قبلهم، وأن كثيرين منهم فعلًا يقومون بذلك تجاه شقيقاتهم، خصوصا في غياب الدور المهم للآباء والأمهات في زرع الثقة، وتشجيع الصداقة بين الأشقاء وشقيقاتهم في سن المراهقة تحديداً.
اكتشفت يومها أن مراهقاتٍ كثيراتٍ يشتكين من سوء تصرفات إخوانهن معهن، وعدم ثقتهم بتصرفاتهن بعيدا عن أعينهم. وقلت إنهم مخطئون غالباً، لكن الخطأ لا يعالج بخطأ، يا بنات.
وفي المقابل، اكتشفت أن مراهقين وشبابا كثيرين يضيقون الخناق على شقيقاتهم بحجة أنهم أكثر خبرةً، وأنهم يرون من الشباب المحيطين بهم من “البلاوي”، ما يجعلهم أكثر تشدّداً في التعامل مع شقيقاتهم.. لكن هذا ليس مبرّراً لكم، يا شباب.
لكنني، على الرغم من كل هذا الشوك النابت على أطراف العلاقة بين الأشقاء والشقيقات، بل بسببه أيضاً أرى أن الإبداع العربي ما زال مقصّرا جدا في التعامل مع تلك العلاقة كما ينبغي لها وله.
المهم أن ردود الفعل التي وصلت إلي على تغريداتي في ذلك اليوم جعلتني أتأكد مرة أخرى أن أجمل شعور تشعر به الأخت في علاقتها مع أخيها، إذا اكتشفت أنه “يتنومس” فيها. نعم.. تعمدت كتابة هذه المفردة باللهجة العامية، لأنها تعني لي الكثير. أحبها. (العربي الجديد 17 يناير 2019)
17 يناير 2019
شكراً على المقالة