صباحا، مررت على مكينة السحب الآلي وسحبت منها مبلغا من المال بعد أن ألقمتها كلمة السر المكونة من بضعة أرقام. توجهت بعدها الى مكتبي في العمل، وكان أول ما فعلته بعد أن جلست هو إدخال كلمة سر أخرى مكونة من أرقام أخرى لجهاز الحاسوب القابع على مكتبي حتى ينفتح. انفتح فعلا، فكان علي إدخال كلمة سر ثالثة بأرقام وأحرف هذه المرة لفتح البريد الإلكتروني، وكلمة سر رابعة أيضا بأرقام وأحرف أخرى لفتح موقع تويتر، وكلمة سر خامسة افتح نظام العمل الصحفي على الحاسوب لمراجعة المقالات والتقارير، ثم كلمة سر سادسة لفتح نظام جلب الصور الفوتوغرافية من قسم التصوير لإرفاقها مع موضوعاتها الصحفية.
في ذلك الصباح لم أحتج لاستخدام مواقعي الأخرى مثل الإنستغرام والفيس بوك وغيرهما، وإلا لكان علي تذكر كلمات سرية أخرى تحتاجها هذه المواقع. أما الآيباد فلن أفتحه إلا مساء، ولذلك لن أحتاج لكلمته السرية الآن، فقط علي أنا أبقي ذاكرتي متحفزة لتذكر الكلمة السرية للآيفون الذي لا ينفك ينغلق بعد دقائق من إهمالي له!.
مسكينة ذاكرتي. تحفظ كل هذه الكلمات المختلفة عن بعضها البعض المكونة من أرقام وأحرف عشوائية، ومع هذا أغضب منها كثيرا وأتهمها بأعراض الزهايمر المبكر كلما خذلتني بتذكر اسم شخص معين أرى صورته وأنسى اسمه، أو باستحضار عنوان قصيدة أو اسم شاعر أو تاريخ مقال قديم أو موعد غير مهم كثيرا.
أي إرهاق تعاني منه هذه الذاكرة المتعبة؟ ومع هذا لا تعجبني، ولا يكاد يمضي موقف من مواقف النسيان حتى أرجمها بالعتب المسيج بالغضب.
في موقف من مواقف الغضب تلك كما يبدو كتبت تغريدة على صفحتي في موقعي تويتر عبرت فيها عن انزعاجي من زحام تلك الأرقام والكلمات السرية في ذاكرتي، فسألني أحد المتابعين النابهين لحظتها: “هل للقلوب أرقام سرية لفتحها يا سيدتي؟”.
لم أحر جوابا يليق بسؤاله المدهش، لكنني تذكرت على الفور قصيدة كنت قد سمعتها من الشاعرة ساجدة الموسوي قبل ربع قرن تقريبا عنوانها “الباب”.
حسناً.. شكرا لك يا ذاكرتي العزيزة، يبدو أنك تريدين ترضيتي بتذكر تلك القصيدة المنبعثة من ذلك التاريخ القديم. كنت أعتقد أنني نسيتها فعلا، لكنني سرعان ما تذكرت كلمتها السرية، أعني عنوانها “المفتاح”، وتكفل محرك البحث غوغل بالبقية.
تقول ساجدة الموسوي في قصيدتها:
“مفتاحٌ دار بباب القلبِ فلم يفتحْ
مفتاح آخر دار فلم يفتحْ
دارت كل مفاتيح الدنيا لم تفتحْ
لكن يداً حانيةً طرقتْ
سقط البابُ
وذابتْ حبات القلبْ”!
(جريدة الرياض/ 25 يناير 2014م)