الرئيسية / مقالات سعدية مفرح / القصيدة في المزهرية!
لوحة للفنانة باية محيي الدين
لوحة للفنانة باية محيي الدين

القصيدة في المزهرية!

انشغلت فترة طويلة من عمري بقراءة قصائد شعراء من مختلف الثقافات واللغات مترجمة إلى اللغة العربية. كنت أبحث عما يمكنني العثور عليه من قصائد لشعراء من الهند أو اليابان أو كوريا أو أستراليا، أو النرويج أو روسيا أو الأرجنتين، أو غيرها من بلاد لم ينتقل إلينا الكثير من آدابها. ورغم أنني كنت أقرأ ما أجده باللغة العربية وحسب، إلا أنها كانت تصل إلى أعماقي بالمشاعر التي تحف بكل لغة على حدة. كنت أفكر دائماً بمشاعر كل لغة، وكيفية نقلها عبر الترجمة إلى لغة أخرى لتصل بذاتها. غالباً هي لا تصل ولكنها على الأقل، تحاول. يحاول مترجمها ومتلقيها على حد سواء أن يصل بها ومن خلالها إلى ما يريده الشاعر عندما اجترح قصيدته بلغته الأم.

من الصعب بالتأكيد ترجمة الأدب عموماً، ولكن الصعوبة تتضاعف عندما يتعلق الأمر بترجمة القصيدة نظراً لطبيعتها المتخلقة من المعنى والموسيقى وما بينهما من ظلال مبهمة هي السر غالباً في سحر الشعر ودهشته القصوى، ولهذا تحدث كثيرون عما أسموه بالمترجم الخائن، أو الخيانات الذهبية في إشارة إلى تلك اللذة الكامنة وراء الصعوبة من ترجمة القصيدة وقراءتها بعد ذلك أيضاً. يقول الشاعر الإنجليزي بيرسي شيلي أن «ترجمة الشعر محاولة عقيمة تماماً، مثل نقل زهرة بنفسج من تربة أنبتتها إلى مزهرية»، هذا لا يعني أن الأزهار في المزهريات ليست جميلة أو ليست حقيقية ولكن يعني أنها غريبة عن تربتها، وبالتالي علينا دائماً أن نضع كل ذلك في حسباننا ونحن نقترب منها لنشم رائحتها فنفاجأ غالباً أنها بلا رائحة كما ينبغي!

عندما أقرأ قصيدة مترجمة إلى العربية لشاعر أجنبي دائماً أفكر في ذلك الشاعر، وأقول هل كان يعلم أن قارئة عربية ستكون ضمن قرائه المحتملين؟ وهذا أيضاً ما يحدث لي عندما تترجم لي قصيدة جديدة إلى أي لغة من لغات العالم الأخرى.

في إحدى المرات وصلتني، عبر سفارة طاجكيستان في الكويت، صحيفة من طاجكيستان منشورة فيها إحدى قصائدي مترجمة إلى اللغة الطاجيكية وبالتأكيد استغربت جداً إلى أن علمت أن من رشحها كان طالباً يدرس اللغة العربية في جامعة الكويت ثم انتقل إلى بلده بعد تخرجه من الجامعة، وهناك التقى بأحد المهتمين بالأدب العربي وأهداه ديواناً شعرياً لي كان قد اشتراه من معرض الكتاب وحضر إلى مقر عملي يومها لأوقع له على نسخة الديوان.

صادف أن المهتم بالأدب العربي وهو الشاعر الطاجيكي المعروف نذر الله نزار كان يبحث عن قصائد عربية حديثة يترجمها، وهكذا ترجم بعض قصائدي التي اختارها بعناية من بين قصائد الديوان لينقلها إلى الطاجيكية.

كنت سعيدة جداً أن انتقلت قصيدتي للقارئ الطاجيكي بهذا الشكل شبه العفوي. لكنني كنت أراها كتلك الزهرة المقطوفة من نبتتها ومن أرضها لتوضع في مزهرية تقف على طاولة في جغرافيا بعيدة.

(اليمامة 2016/12/01)

عن Saadiah

شاهد أيضاً

لوحة للفنان أسعد عرابي

هل سأنجو هذه المرّة أيضاً؟

سعدية مفرح/ تنقذني الكتابة، ولو مؤقتاً، من الغرق في لجة الكآبة ومجاهيل الاكتئاب. فمنذ أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *