في كل الحوادث الدموية القاتلة، والتي ترِد تحت مفهوم ما يسمّى الإرهاب، نجد أنفسنا في الدائرة نفسها، حيث تتكرّر المفردات والعبارات، والتي نحاول أن نعبّر من خلالها عن آرائنا في المقدمات والنتائج. وبغضّ النظر عن هوية القاتل، أو المقتول، في مثل تلك الحوادث الإجرامية، نجد أن المقدمات واحدة، وبالتالي، فالنتائج أيضا واحدة، لكن هذا لا يعني أن لكل حادثةٍ، وعلى الرغم من تشابه الأسباب، أو المقدمات التي تنحصر غالبا في عنصريةٍ تعبّر عن نفسها بتطرّف، والنتائج التي تسيل على شكل دماء بريئة، إلا أن ردود الفعل هي التي تختلف دائما، وفقا لاختلاف الهويات، هويات الجاني والمجني عليه ومن يعبّر عن رد الفعل في هذه الحالة!
على الرغم من الهجوم الذي نالني بسبب تغريدة لي على حسابي في “تويتر”، قلت فيها إننا نحن العرب والمسلمين مسؤولون عن الجريمة التي وقعت في مسجد نيوزيلندي، وراح ضحيتها خمسون مسلما، على يد متطرف أسترالي صوّر جريمته بالصوت والصورة على الهواء مباشرة، وبثّها في حسابه على “فيسبوك”، لأننا تهاونّا في مكافحة الإسلاموفوبيا مبكرا، إلا أنني ما زلت أصرّ على مسؤوليتنا، غير المباشرة، عما حدث الجمعة الماضية، وغيره من الحوادث المشابهة تجاهنا في أنحاء العالم المختلفة، خصوصا بعد أحداث “11 سبتمبر” ونشوء ظاهرة ما تسمى الإسلاموفوبيا في أميركا وأوروبا وتناميها بصور عديدة أحيانا، بطريقة عفوية طبيعية، وأحيانا أخرى بأشكال مفتعلة، إذ وجد فيها خصوم الإسلام، كدين وكثقافة، وكتاريخ أيضا، فرصة ذهبية ربما غير مسبوقة لشيطنة كل مسلم، وكل ما هو إسلامي.
والغريب ليس في تهاوننا المشهود في مكافحة تلك الظاهرة، وما نتج عنها من ظواهر تتوسلها وحسب، بل الإيمان بها وتعزيزها، وتشجيع الخصوم على المضي فيها، على الرغم من النتائج الكارثية المتوقعة. ومنها حادثة نيوزيلندا التي وجدت، مع كل التعاطف الذي أبداه العالم مع الضحايا المسالمين فيها، من يفرح بها ويبرّر للقاتل العنصري المتطرف فعلته الشنيعة، ولم يقتصر التبرير على أفراد مجهولين في حسابات التواصل الاجتماعي، بل تعداهم إلى شخصيات اعتبارية سياسية مرموقة أيضا.
ومن أشكال التعاطف غير المباشر مع من اعتدى على مصلين مسالمين يؤدّون صلاتهم، المسارَعة إلى توكيد فردية الجريمة، وتخليصها ومرتكبها من سياقها الذي أفرزها، في مجتمعٍ يُفترض أنه متحضّر، ويجرّم العنصرية القائمة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون، او حتى الجنسية بشكل تلقائي. لقد غضّ هؤلاء المبرّرون الطرف عن “ثقافةٍ” عبّرت عن نفسها في ما كتبه القاتل على سلاحه من عباراتٍ تاريخية، تشير إلى عنصريته المتراكمة. كما حاولوا نفي علاقة هذه الجريمة بما أشاعه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من رؤية تنظر إلى الآخر المهاجر أو اللاجئ، أو حتى المختلف عن عرقية أغلب السكان في البلاد الأميركية والأوروبية، تلك النظرة البغيضة التي تشعره أنه غير مرغوب فيه في تلك البلاد. فالمجرم نفسه كان معجبا بطروحات الرئيس الأميركي، ترامب، وربما اتخذ منه مثلا أعلى. ولهذا لا يمكن فصل تلك الجريمة عن سياقها السياسي الذي رسمه ترامب سابقا! ولا يمكنني أن أرى فرقا بين تصريحات القاتل المعلنة تجاه المسلمين واللاجئين والمهاجرين وتصريحات ترامب، على هذا الصعيد، منذ أصبح رئيسا.
هاجمني كثيرون بسبب تغريدتي تلك، لأنهم قرأوا، في خضمّ انفعالهم المفهوم تجاه قسوة ما كانوا يتابعونه من أخبار تتعلق بالحادثة، الجزء الأول فقط من التغريدة، ففهموا أنني أبرّئ الآخر من الجريمة، لكنني كنت أريد الإشارة إلى أن جريمتنا الحقيقية أننا تركناهم يفهمون ديننا ذلك الفهم المغلوط، على يد مجموعة من متطرفينا، بل وشجعناهم على معاقبتنا بشكل جمعي، وفقا لذلك الفهم المغلوط، فكانت النتيجة أننا أصبحنا في نظر العالم نحن الإرهابيين.. وحسب!
(العربي الجديد / 21 مارس 2019 )