الرئيسية / سينما / علاء الدين.. نسوية واستشراق

علاء الدين.. نسوية واستشراق

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن قصة علاء الدين والمصباح السحري مأخوذة من حكايات ألف ليلة وليلة العربية، إلا أن هذا غير صحيح، فالنسخة العربية، وهي الأصلية من الليالي، لا توجد فيها أي إشارة إلى علاء الدين ومصباحه، مع أنها مثلا تحتوي على قصص شهيرة أخرى، مثل قصة السندباد الذي انطلق من بغداد ليجوب بحار العالم، وقصة علي بابا والأربعين حرامي والغار المليء بالذهب والفضة والمرجان… أما قصة علاء الدين وبساطه السحري، فيبدو أنها مجرد محاكاة لهما في صيغةٍ تثير خيال الغربيين بسحر الشرق وغموضه، فحل كل نماذج ما يسمّى أدب الاستشراق. وأول وجود منشور لهذه القصة يعود إلى الترجمة الفرنسية من الليالي، والتي قدمها المستشرق الفرنسي، أنطوان غالاند، في بدايات القرن الثامن عشر، وقال إنه دوّنها في الكتاب، نقلا عن حكاية شفهية رواها له، كما قال، أحد الحكواتية في مدينة، حلب في القرن الثامن عشر. ومنذ ذلك التاريخ، والحكاية تثير إعجاب صناع الفن الغربيين الذين قدّموها في صيغ مسرحية وسينمائية وإذاعية وتلفزيونية كثيرة، كما اتخذت مادة خاما لفنون أخرى كثيرة، مثل التشكيل والغناء وتصميم الأزياء وغيرها.
عادت الحكاية هذا العام مرة جديدة بفيلم قدمته شركة ديزني العالمية على طريقتها المبهرة بتوقيع المخرج، غاي ريتشي. وعلى الرغم من أن ديزني سبق وأن أنتجت فيلما كرتونيا بالعنوان نفسه، مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلا أن هناك فروقا كبيرة بين الفيلمين، يمكن رصدها بسهولة لصالح الفيلم الجديد الذي فضّل صانعوه أن يؤدّي أدواره ممثلون حقيقيون بالصوت والصورة والحركة، بدلا من تقنيات الكرتون.
شاهدتُ الفيلم الجديد أخيرا، وخرجتُ من قاعة السينما وكلي شوق للمشاهدة مرة أخرى… أو على الأقل مشاهدة الأغنية الرئيسية فيه وسماعها، وهو ما تحقق لي، عندما وجدتها في “يوتيوب”، وحمّلتها فورا على هاتفي. فالأغنية جميلة جدا في كلماتها ولحنها وغنائها، ويمكن بسهولة اعتبارها أحد أجمل منشورات النسوية الحديثة، نظرا إلى خطابها الذي يشجع النساء على الكلمة والتعبير عن أنفسهن بكل قوة وجمال، إذ تختتم الأغنية بعبارة تقولها ياسمين وسط تلاحق أنفاسها؛ “كل ما أعلمه أنني لن أظل عاجزة عن الكلام”!
ويمكن أن يُقال الكثير عن هذا الفيلم الذي تفوّق على سابقه الكرتوني، ليس على الصعيد الفني والتقني وحسب، ولكن أيضا على صعيد المعالجة الثقافية للفكرة، فقد حاول صنّاع النسخة الحية من “علاء الدين” أن يتلافوا أخطاء شابت النسخة الكرتونية، مثل تنميط الشخصية العربية والمسلمة. ويبدو أن لوجود هيئة استشارية مكونة من باحثين ونقاد ومبدعين عرب ومسلمين، قيل إن فريق إنتاج الفيلم قد استعان بها، دورا في تلافي تلك الأخطاء القديمة والنمطية في نظرة هوليوود التقليدية الظالمة للمجتمعات الشرقية، والتي سبق وأن أشار إليها إداورد سعيد في كتابه “الاستشراق” باعتبارها نظرة مقصودة من الغرب، لتبرير السيطرة على الشرق الأوسط!
ومع أن الفيلم الجديد تخفف من التنميط المقصود كثيرا، إذ اختار صنّاعه ممثلين بملامح عربية وشرقية، على الرغم من أنهم خلطوا بين ثقافات شرقية كثيرة في بوتقة واحدة، فلا نكاد نميز الدلائل الهندية في الفيلم من العربية أو الفارسية مثلا، إلا أن ذلك لم يمنع من إشارات سيئة، كأغنية المقدمة مثلا، والتي لا يمكن قبولها إلا باعتبارها تعزيزا لظاهرة الإسلاموفوبيا! ولكن هذا لم يكن ليتجاوز حدود المقدمة وحسب، أما معظم مشاهد الفيلم فقد كانت معقولة في تصوير الشخصية العربية المسلمة، في ظلال الطبيعة الفانتازية للحكاية.

(العربي الجديد/ 1 أغسطس 2019)

عن Saadiah

شاهد أيضاً

ذي ريدر..امرأة عارية وأحبها!

  امرأة ثلاثينية عارية يحتل جسدها بأنوثته الباذخة مساحة الشاشة بأكملها، وتاريخ نازي أسود تسيل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *