في معرض الكتاب العربي في الكويت الأخير، لاحظت أن كثيرا من الناشرين العرب الذين دأبوا على الاشتراك في هذا المعرض المخضرم قد قللوا شكاواهم المعتادة من تسلط الرقابة على ما كانوا ينوون عرضه في اجنحتهم من كتب سبق وأن قاموا بنشرها، حيث اعتاد الرقيب الكويتي في السنوات الأخيرة تحديدا على منع الكثير من العناوين المثيرة للجدل، أو تلك التي يتوقع أنها قد تكون مثيرة للجدل في حال السماح بعرضها، واعتدنا نحن الصحفيين العاملين في حقل الصحافة الثقافية تحديدا، على مهاجمة ذلك النهج غير السوي وانتقاده في كل المناسبات الكتابية الممكنة.
ولأنني اعتدت، بحكم عملي الصحفي على الأقل، على الحرص على المرور على معظم دور النشر العربية المشاركة، وخصوصا تلك التي أعرف أنها تنشر كتبا قد تثير شهية أي رقيب لممارسة مهنته، بذمة وضمير!!، والسؤال عما منع لهم من العناوين لهذا العام، فقد مارست تلك العادة السنوية والتي كنت اخرج في نهايتها بحصيلة متزايدة عاما بعد عام من العناوين الممنوعة، إلا أنني هذا العام فوجئت، فعلا، بقلة حصيلتي السنوية المعتادة من الممنوعات، والتي كان الكثير من البائعين في أجنحة تلك الدور يدسونها لي من تحت الطاولة، وهو التعبير الشائع بين زبائن سوق الكتب الممنوعة عربيا.
فما الذي حدث؟
هل تخلى الرقيب عن مهنته؟
هل تخلى الكتاب عن عادتهم في كتابة ما يثير غضب الرقيب؟
إن شيئا من كل هذا لم يحدث، لكن الذي حدث هو أن كثيرا من الناشرين العرب قاموا بالمهمة سلفا، ونيابة عن الرقيب، فلم يجلبوا معهم من الكتب إلا تلك التي يعرفون أنها لا تمنع!!.
وهو سلوك صاروا يمارسونه ليس في معرض الكويت وحسب بل في كل المعارض العربية التي صار الرقيب يسرح ويمرح فيها دون حسيب أو رقيب!!.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن هذه الرقابة الذاتية من قبل الناشر هي واحدة من اخطر الرقابات على الإطلاق. وأخشى أن “تتطور” قليلا فيمتنع هؤلاء الناشرون عن نشر تلك الكتب “الممنوعة” بعد أن تنجح تجربتهم في عدم عرضها في معارض الكتب جلبا للهدوء وبعيدا عن وجع الرأس، ثم تنتقل للمبدعين فيمتنعون عن كتابتها أصلا!!
أخشى ذلك اليوم رغم أنني أتحسس شواهده ولا أراه بعيدا…كثيرا!
(7جريدة الرياض ديسمبر 2006)