نواف الربيع/
بعد أن جروه من زنزانته إلى السيارة، ظن بأن خروجه قد حان، وصارت أمنياته التي صدقها خلال أسره ممكنة، سيعود إلى الأم التي تعد له وجبة الغداء، إلى أب أنهكه النظر ناحية الشارع، إلى أخته التي جلبت له ملابس يرتديها الآن.. سيعود، والطريق الذي تسلكه السيارة يشهد بأنه ذاهب إلى بيته أخيراً، لكنه لم يكن يعلم بأن أحلامه ستصير طلقة في صدغه جاءت أسرع من خطاه إلى أمه؛ عن سامر أبودقر، عن دمه الأردني الذي صاغه كويتياً من أجل عودة الكويت، عن شهادة مستحقة من وافد أردني يسقط بعد أن شارك في تفجير فندق الهيلتون خلال الغزو العراقي عام١٩٩٠، ويستشهد مبكراً فلا يشهد سعارنا عن وافدين آخرين يشبهونه ليس في هامشية الحضور، بل في حب أرض ضاقت عليهم متأخراً.
لم يكن ذلك اليوم، لكنه يصر أن يعود مشوشاً اليوم، بظل غير واضح الملامح، بخطى أحدب يمضي إلينا، مثل دجال يرغب أن نصدق بأن خروج الوافدين ضرورة، وأن القضية، كل القضية ستبطل تعقيداتها بعد أن يخرج آخر وافد بعيداً عن الكويت، ويعلن عن ذاك في نشرة الأخبار، مبررا أن حملة التضييق نجحت، إذ سمع ما سمع من أناس يتهمونه بالخراب، رغم أن يديه لم تمد إلى نار يشعلها، بل كان يحاول إطفاءها.. مثلما أحاول إطفاء سعار يصطحبنا معه إلى جهة غريبة ولم تشر لها إبرة بوصلة من قبل، وسط أوضاع هائجة من قلق ومصير مجهول وأخبار كارثية تنذر بأزمة اقتصادية وسقوط حضارات والمزيد المزيد من برقيات التعزية، وهنا نطلب النجاة والأفواه ممتلئة بالسخط المكثف على أفراد مغتربين، ولو أني مثل الكثير أشارك الغضب والسخط لكن على من سمح للمغتربين أن يتراكموا أفواجا هنا، على تجار يملؤون جيوبهم من فتات عمال وعاملات كانوا يظنون بأن الحياة في الكويت محتملة لولا أنها ليست كذلك حقا.. فالسعار المستحق ليس على الوافدين، بل على من أتى بهم إلى هنا، دون مراعاة لواجبات يؤدونها بحق مقيمين، على خطط فاشلة زعمت نجاح ضمان وجودهم هنا لكنها لم تنتج إلا العكس..
نغرق الآن بكثير من الشتائم، بكثير من الرفض، بكثير من التنمر المتخفي بالوطنية، ملاحقين الظل، ونتناسى صاحبه، وبينما يغادر آخر وافد الكويت مثلما يرغب البعض، سنكون قد تعثرنا بفخوخنا، سقطنا في فشلنا، لنعرف بأن الخلل نحن أولا، وحين يغادر آخر وافد أرض الكويت، سنسمعه يردد ما قاله الشاعر أحمد مطر:
“يا كويت
كم على السيف مشيت
كم بجمر الظلم والجور اكتويت
كم تحملت من القهر
وكم من ثقل البلوى حويت
غير أني ما انحنيت..”
وسنعرف حينها بأننا أخطأنا في الحساب، وكل أفكارنا عن الإنسان وكونيته مجرد هراء نثرثر به فيمضي هذا الوقت بنا إلى هلاك وشيك.. هذا ما أخشاه.