الرئيسية / فواصل / دائرة الضوء؛ تجـــــاعيد

دائرة الضوء؛ تجـــــاعيد

أحمد ناصر السميط

((0))
“الأيام تنقضي بسرعة فائقة جداً” هكذا أظنها في أقل تقدير، ولعل الكثير يتفق معي أن ما كان بالأمس سريعاً ما يغدوا الماضي البعيد، وتدريجياً نقف نعد الأيام الخالية مالها وما عليها، والسعيد من يحسب نفسه قد اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه وكلاهما قد مرت به الأيام وفعلت به الأفاعيل، ولست أدري أهي الموعظة ما يفني الإنسان العاقل لأجلها حياته، أم أن الحياة أيام تنقضي كل يوم بيومه؟

((1))
التجارب لها عامل فعال جداً في تكوين الإنسان وصناعته، ولن أناقش فيما هو معلوم لدى سائر البشر، ولكن حديثي هنا حول أثر تلك التجارب، فالتجارب القاسية لها أثر، وكذلك التجارب التي تخلوا من الصعوبات، وذلك يعود إلى مبدأ يسير عليه الجميع ولا يشعرون به وهو أنك لن تستطيع تحريك ساكناً ما دون جهد يبذل! وعليه تعتبر التجارب على خلاف قيمة الجهد المبذولة هي الأداة الفاعلة في مسيرتنا وحياتنا.

((2))
في مثل هذه الأيام والظروف التي ينال الإنسان وقت أكبر مع نفسه تتجسد أمامه العديد من الذكريات التي كان لها ذلك الأثر في صنع مجريات حياته، ولذلك من لم يسبق له أن تأمل سجلاته الشخصية وتفحصها عليه أن يبادر، نعم احتاج البعض منا أن يجتاح العالم وباء يلزمه بيته لكي يعي ما أقول، ولكن رسالتي لمن لم ينتبه بعد تأمل في أيامك فإنك تمضي قدماً حبذا لو كانت حركتك تلك على بصيرة.

((3))
التراكمات التي تشكلنا فيها محتويات متنوع تحمل شحنات مختلفة سالبة وموجبة وقد تمتاز بعضها بشحنات محايدة، والواقع الذي تعكسه تلك التراكمات هو المنفذ الذي نفرغ من خلاله تلك الشحنات، وعليه لابد أن نستوعب حقيقة أن تصرفاتنا هي عبارة عن انعكاس واقع عشناه ونعيشه، ومن هنا يجب أن نحزم أمورنا في حال كانت اتجاهاتنا لا تلبي اشباع رغباتنا الذاتية، وقد تكون اتجاهات وتصرفات غير مرضية، هذه العلامات هي جرس الإنذار الذي يوقض فينا الشعور بأهمية مراجعة مواقفنا وهل نقدم أم نحجم؟ القرار لك في ذلك الحين!

((4))
نراقب باستمرار التغيرات التي تطرأ على الآخرين، ونكون دقيقين جداً في رصدها وتحليل أبعادها، وهو أمر لا يتم على ذواتنا في غالب الأحوال، الدعوة في هذا المقام ليست مقتصرة على مراقبة الذات فحسب بل تتعدى ذلك للكف عن مراقبة الآخرين والغرق في مجالهم لأن هذا الفعل هو فعل الهروب للأمام في مواجهة واقعنا، لا شك إن الرجل منا يملك الكثير لكي يفتخر ويتمسك به، ولا شك أن هناك ما يلزمه بالمراجعة والمتابعة، ركز في شؤونك وسوف تبلغ المنزلة التي تريد .

((5))
في نهاية المطاف أتذكر أن هذه الدنيا جمعتني بأحدهم كان ماهراً جداً في إظهار عجز الآخرين وضعفهم ومواطن الخلل لديهم، وله قدرة مميزة في ترسيخ قناعة أحادية الفهم فهو عاقل وغيره لا عقله له، وعشت سنين أعتبر هذا الإنسان قدوة لي وأحترمه، ولكن انتهى بي المطاف أن هذا الرجل لم يرعى حقوق الصداقة والأخوة ومضى يخوض ويطعن بأقرب الناس له موغلاً في ممارسة عادته العدوانية تجاه الآخرين! كان ذاك آخر يوم لي في علاقتي معه وأيقنت أن من يسعى لإصلاح العالم حوله وينسى نفسه فهو لا شك ربان لسفينة غارقة، هذا المشهد لم يخلف بالنسبة لي إلى إحدى التجاعيد البسيطة التي بدت تظهر على وجهي، وأنا سعيد بأن هذه التجاعيد تزيد يوماً بعد يوم مخلفة دروس لن تنسى ملؤها آلام قاسية وآمال مرضية.

ودمتم بود

عن Saadiah

شاهد أيضاً

دائرة الضوء؛ خلف جدار اسمنتي

أحمد ناصر السميط/ تمثل المعرفة المدخل الرئيس لبناء الفكر والثقافة الجماهيرية والفردية، وهذا الأمر تتوارثه …

3 تعليقات

  1. عبدالله حسين الذهب

    سلِمت يمناك وتشكر على هذا المقال فعلا أحيانا نحتاج أن نختلي بأنفسنا بعيد عن ضجيج وسائل التواصل الاجتماعية والبدأ برحلة مع الذات لمعرفة ما لنا وما علينا ، وفي اعتقادي أن الأزمة هذه كشفت الكثير على الرغم من أننا كنا قبل هذه الأزمة نعيش حياة روتينية دائما تعتمد على الآخر ، قليل منا من كان يعرف ذاته ويقدرها ، وأكرر بأن هذه الأزمة فرصة للشخص وفي هذا الشهر الفضيل شهر رمضان أن يتغير الواحد منا ولو قليلا ، وهذا التغيير بالطبع للأفضل وليس الأسوء سواء على الصعيد الشخصي أو الأهل والأصدقاء ودمت سالماً

  2. رائع.. نظرات في ذواتنا
    اعجبني التحذير في الغرق في مجالهم
    ويأس ربان سفينة غارقة
    واعجبني وصف تراكمات الشحنات علينا
    الى المزيد من هذا التذكير
    بالإمكان استبدال كلمة الرجل بكلمة انسان
    بوركتم وبانتظار المزيد

    • د. مشاري حسن

      اغتنام الوقت، أثر التجارب في صوغ شخصية الإنسان، توثيق الذكريات، السلوك انعكاس لتراكمات الحياة، الالتفات من نقد الآخرين إلى نقد الذات والانعتاق من التأثر بأحاديي النظرة كل تلك الفكر والمعاني تعتبر علامات على طريق الحياة تأخذ بيد الإنسان لتدله على ما فيه الخير…. حبذا الأخذ بها والاستنارة بما جاء فيها…. الكاتب بأسلوبه المباشر والبسيط استطاع رسم صورة واضحة لما يوقظ فينا الوعي والانتباه.. شكرا جزيلا لك أيها الكاتب على حثنا على استغلال أوقاتنا فيما يفيد وينفع وليس شيء أكثر نفعا من القراءة والكتابة واستظهار مكنون النفس ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *