الرئيسية / سينما / جسور ماديسون: إنه الحب على أية حال!!

جسور ماديسون: إنه الحب على أية حال!!

نعم…إنه الحب على أية حال.

ولكن متى يبدأ فعلاً عندما يكون الأمر معلقا بطرف قميص الخيانة؟

كيف يمكن للوفاء أن يكون خيانة في الحالة نفسها من دون أن يغادر دار الأشخاص المعنيين بالأمر؟

كيف يلتبس المعنى بين الكلمتين فتتداخل الألوان وتختلط الأحرف وتعبر الكاميرا عن ذلك الاشتباك الوجودي العنيف عاطفيا في مشهد سينمائي رهيف؟

 

إنه الحب ..

التفسير الوحيد لكل الغوامض البشرية، والمنطق البشري لكل المستحيلات.

 

وإذا كان الحب قد تأخر قليلا، أو كثيرا، يوما يوما، فلا بد انه سيأتي في موعد منتقى بعناية على الرغم من طرافة الصدفة وبهاء المفاجأة أحيانا، ليصير هو الحياة نفسها، وربما كلها وإن احتشد في اربعة ايام فقط ، تضاعف الزمن فيها مرات ومرات ليصير العمر كله بالنسبة للعاشقين، وحتى لو وجد نفسه وقد علق على جدران الأخرين في إطار رخيص مصنوع من مادة الخيانة .. الزوجية مثلا.

 

 

عاشقان مضى بهما العمر في قطاره الرتيب في طرق الحياة الطويلة والمتشعبة قبل أن يكتشفا تلك اللذة التي يهديها الحب للمحبين، وقبل أن تبلغ الرعشة مداها في علاقاتهما مع من يلتقون بهم جسديا منذ أن اكتشفا لذائذ الجسد، إلا إن تأتّى لهما أن يكتشفا الجسد نفسه، كمشهى أول واخير، وكمنتهى للرعشة الاستثنائية الخالدة.

كلينت إيستوود المخضرم الهوليودي المعروف بأفلام الحركة والاثارة، يتخلى أخيرا عن مزاجه السينمائي الذي اشتهر به لسنوات كثيرة وافلام متعددة، فيقدم رؤيته الخاصة للحب والحياة في تجربة سينمائية نادرة.

وواضح أن هذه التجربة كانت من صناعته الخاصة، حتى وإن اعتمدت كفيلم على رواية سبق وأن عرفت كواحدة من روايات الأفضل مبيعا في العام 1992م للمؤلف روبرت جيمس.

فإيستوود هو الذي اختار تلك القصة لتكون النواة، وهو الذي تكفل بإنتاجها وإخراجها والاضطلاع بالدور الأول فيها.

إننا نشاهد إذن الفيلم المشهير “جسور ماديسون”، والذي عرفته الشاشات العالمية العام 1995 كواحد من أكثر أفلام السينما رهافة حتى ليكاد يكتمل على هذا الصعيد فيصعب أن تترصد فيه غلطة واحدة أو حتى نفورا يتيما.

 

والفيلم الذي يبدو في مجمله وكأنه منحوتة اجتهد ايستوودليشذبه بطريقة فاتنة، فيبدو كل مشهد وكأنه مرسوم بألوان مائية شفافة من خلال شمس الريف الأمريكي الساطعة على  جسور بلدة ماديسون الغريبة التشييد، يستحق سمعته الطيبة التي طبقت أفاق الشاشات، وجوائزه الكثيرة في محيط الأوسكار وغيره.

 

كانت جسور بلدة ماديسون الريفية الللافتة في بنائها هي السبب في قدوم الفوتوغرافي كنكايد والذي أدى دوره ايسوود ليلتقط لها صورا فوتوغرافية كلفته بها مجلة ناشيونال جيوغرافيك. وما هي إلا، ساعات وربما دقائق، على قدومه حتى يشتبك في تلك العلاقة الشائكة والرهيفة في الوقت نفسه مع ربة البيت البسيطة في مظهرها ومخبرها السيدة فرانشيسكا بما يشكل مادة الفيلم للنهاية.

 

كان ذلك المصور قد حل ببلدة ماديسون في الريف الأمريكي ليصور جسورها، لكنه وبمحض الصدفة التقى بمن ستكون امرأة حياته. ومع أنها ربة أسرة محافظة تحب زوجها وولديها، وتنشغل الوقت كله متفانية في خدمتهم ضمن تقاليد تلك البلدة الصغيرة والتي تنتقل فيها الشائعات والأخبار بما يمكن أن يشكل حياة البشر ويعيد صياغتها أيضا وفقا لها، إلا أن تلك المرأة تنفتح على حب الفوتوغرافي الغريب أثناء غياب زوجها المحب وولديها خارج البلدة. فينجح ذلك الحب الذي هبط عليها من سماء الهدايا في اكتشافها لذاتها، وإزاحة الكثير مما تراكم على قلبها من صدأ السنين والتقاليد والآخرين.

 

يبرق قلبها أخيرا كفضة بيضاء تحت عدسة ذلك المصور العاشق، فيبدو الإثنان وهما يمارسان حياتهما كلها في أربعة أيام بلقطات متتابعة تنقلها لنا كاميرا المخرج إيستوود السينمائية برهافة رائقة وعذبة في أماكنها المتنوعة ضمن حدود ذلك الريف، فوق الجسر، وفي السيارة، وداخل غرفة المعيشة، وعلى سرير النوم، وفي شوارع البلدة الصغيرة.. وفي المطبخ أيضا.

 

والفيلم في نهاياته يستذكر لوعة رجل ستيني على فراق امرأة عرفها لمدة أربعة أيام وأحبها بقية عمره كله، ولوعة امرأة أربعينية انحازت بعد أربعة أيام من العيش في خضم الذات، لبيتها الصغير وهدوئه المطمئن، كرماد كثيف فوق جمر الرغبات تحت ظلال البيانو التي أضفت على أجواء الفيلم سحرا إضافيا خالدا.

 

وثق كينكايد ذلك الحب المختلف (وكل حب .. مختلف بالضرورة)، وما أعقبته من لوعة وتداعٍ في مجموعة صور فوتوغرافية كان قد التقطها خلال تلك الأيام الأربعة ورتبها في كتاب أنيق عنوانه “أربعة أيام”. وأرسل تلك الأيام الفوتوغرافية الأربعة، بكل ما تفصح عنه من عواطف ساطعة، بعد غياب لتلك السيدة. فما كان منها إلا ان أودعته خزانة العمر ليصير بعد أن تموت إرثها الأهم لولدها وابنتها، ولتصير الرسالة الطويلة التي تركتها معه إذ تشرح فيها لولديها ما الذي حدث بينها وبين ذلك الرجل الغريب قبل سنوات عديدة بالتفاصيل الحميمة ملها، وصيتها لهما بأن ينحازا للحياة فيما تقدمه لهما من لذة قد تكون هي المعنى كله للحياة بعيدا عن تلك العناوين المستهلكة للخيانة.

فهل خانت تلك السيدة زوجها في أربعة أيام فقط لتخون ذاتها بقية العمر؟ ربما..!

 

 

 

عن Saadiah

شاهد أيضاً

فلايت بلان: خطة الطيران بين الشك واليقين.. ومع الامومة

فجأة تجد نفسك في دائرة ضيقة جدا لا يصدقك فيما تقول أي أحد ممن حولك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *