أحمد ناصر السميط/
تكمن في عقل الإنسان جدلية تتجاذبه مابين تاريخه، وذاكرته، فالأول أخبار قضت، والثانية تصورات رسخت! وفق هذه المفارقة البسيطة يعيش الإنسان إحدى أعقد معادلات الحياة، فهو ما بين موعظة التاريخ، وما بين نمطية الذاكرة يعيش مدفوعاً بذلك الرصيد التعيس، والسعيد في سبيل تحقيق سبل العيش الرغيد وفق منظوره، وتصوره لماهية ذلك العيش السعيد، وتعتبر الذاكرة كوعاء وجداني مشحونة جداً بالأفكار والتصورات ما يمنح صاحبها صورة متكاملة عن كل شيء متصل به وبتاريخه ووجوده.
في مرحلة مبكرة من تكوين أغلب الناس يرتسم في مخيلة الإنسان صورة البطل، وتقدم هذه الصورة على شكل هالة عظيمة، وقد تكون لدى ذلك المتلقي صور متعددة لمجموعة أبطال، وهم بهذه الصورة المقدسة ينالون حظهم من الرسوخ والنمو في ذاكرة هذا الإنسان حتى يصبحون جزءاً منه، فتأمل في سجل الأبطال عندك وتفكر كم منهم له نصيب من الحقيقة مقابل الخيال في أفكارك المشحونة تلك، لدرجة أنك لا تتقبل أي نقد أو اعتراض أو عرض مختلف لما هو مألوف لديك من تصورات!
ولعلنا في خضم ثورة المعلومات التي يعيشها العالم، والتي تثبت يوماً بعد يوم قدرتها على التوسع والانتشار، والتي تم تصديرها بشكل كبير خلال العقد الأخير من خلال منصات التواصل الاجتماعي، باتت صورة الذاكرة الإجترارية نموذج شاخص أمامنا في السيل الجارف لنمطية التفاعل بين الجماهير المختلفة في تلك المنصات، وبتنا نلمس عمق قضايا مثل التمييز، والعنصرية، والطائفية، والتعصب بأشكاله المختلفة، ناهيك عن سلوك جلد الذات المستمر، وما يقابله من عقد السمو والأفضلية عند شعوب ودول لا تملك حتى قرارها لكنه مكمن الذاكرة الراسخ في الأذهان، كل هذه الصور وغيرها غدت أحد أهم محددات شكل الخطاب الذي يتفاعل اليوم بين الجماهير.
في نهاية المطاف الشخصية الاعتبارية لكل مكون أمر حقيقي وليس ضرب من الخيال، والدعوة للذوبان في سبيل الآخرين لا يمكن تصوره، أي أننا نمتاز كلنا بالهوية التي تصنعنا خلاف الآخرين، ولكن هذا التركيب لا يجب أن يصبح هو العنصر الذي ننطلق من خلاله في مجتمعاتنا، واليوم نحن نحتاج أن نفهم أنفسنا بخط متواز مع فهم عملية المتغيرات المحيطة لكي لا نترك حدث مضى عليه عشرات أو مئات السنوات يحدد مصيرنا اليوم.
ودمتم بود
من الـ iPhone الخاص بي