أتيح لي، قبل أيام، أن أحاضر، في مجموعةٍ من المتطلعين إلى ولوج عالم الكتابة والنشر، عن تجربة إصدار الكتاب الأول في حياة الكاتب. امتدّت المحاضرة التي أعدّت ليكون جزء منها في هيئة دورة تدريبية عملية، على مدى أربع ساعات كاملة، كما خططت لها أكاديمية قلم للتأليف والنشر، وهي الجهة المنظمة لها في الكويت. ولأنه الكتاب الأول، توقعت أن المشاركين والحاضرين، وهم كثر، سيكون جلّهم من الشباب، لكنني فوجئت بأنهم ينتمون لمختلف الشرائح العمرية، يجمعهم التطلع إلى تجربة إصدار الكتاب الأول.
كنت قد تخوّفت من أن الوقت سيكون طويلا جدا على مجرّد الحديث عن تجربة إصدار الكتاب الأول في حياة الكاتب، فماذا سنقول على مدى أربع ساعات؟ لا بد أن الحديث سيكون مكرّرا ومملا، وأن ربع الساعة المخصص للصلاة خلال تلك الساعات لم يكن كافيا استراحة من غثاء الكلام. لكنني، وقبيل انتهاء الساعات الأربع، شعرت بحاجتي لمزيد من الوقت، حتى أكمل ما بدأته من حديثٍ عن تجربتي، وبعضٍ ممن أعرف من تجارب الآخرين. كانت أسئلة الحضور الزاد الأول لاستمرار الحديث وتذكّر التجارب، بإيجابياتها وسلبياتها. منذ البداية، أخبرتهم أنني بانتظار الأسئلة لأتحدّث. هذه هي حيلتي التقليدية لأن أستمرّ في الحديث عن موضوع ما. أن يكون ذلك الحديث إجابةً على سؤالٍ ما، حتى لو لم تكن الإجابة مباشرة على السؤال، ولكن السؤال على الأقل سيفتح النافذة ليبدو الأفق واسعا أمامي، فأبدأ بالكلام عن السؤال، أو حوله أو انطلاقا منه إلى موضوعات أخرى.. وهكذا كان، فبعد أن تناولنا الخطوات الإجرائية لإصدار الكتاب الأول كما ينبغي أن تكون، منذ أن تبدأ الفكرة بالتكوّن على هيئة حلم، وحتى تصل إلى يدي القارئ، مرورا بوضع الخطة والكتابة والتدقيق والمراجعة والطباعة والنشر والتوزيع والتسويق، وغيرها من خطوات يمرّ بها الكتاب، انفتح باب الأسئلة واسعا، ليعطيني مساحةً شخصيةً كنت أحتاجها لتذكّر تجربتي الأولى في إصدار الكتاب قبل ثلاثين عاما تقريبا.
كانت الذكرى البعيدة قريبة جدا يذكّرني بها ما تبقى لدي من نسخ للطبعة الأولى من كتابي الأول، والذي أصدرته بعنوان “آخر الحالمين كان” في مفارقةٍ لم أكن منتبهةً لها، فهو حلمي الشعري الأول، ولكنه يحمل عنوانا يشير إلى الحالم الأخير.
كانت تلك التجربة يومها نوعا من المغامرة المتهوّرة، ولا أظن أنني سأقدم عليه بالنحو الذي حدث فعلا ، لو عاد بي الزمن إلى الوراء ثلاثة عقود. على الأقل كنت سأتريث وسأحاول استشارة من حولي ممن يملكون خبرة الكتابة والطباعة والنشر، لكنني فعلتها بثقة من فعلها قبل ذلك عشرات المرّات، فعندما ظننت أن ما كتبته من قصائد يكفي أن تضمّه دفتا كتاب، جمعتها وذهبت بها إلى المطبعة التي كانت في قبو مكان عملي. وهذا، كما يبدو، مما شجعني على تلك الخطوة. كنت أعتقد أن مجرّد طباعة النصوص الشعرية في المطبعة، ووضع غلافٍ عليها ستكون كتابا يتهافت عليه القراء. لم أفكر بالتوزيع مثلا، ولا حتى كيف يمكن للقرّاء الذين لا يعرفونني أصلا، أن يعرفوا أن كتابي قد صدر.
على الرغم من كل الأخطاء التي وقعت بها في تلك التجربة المبكرّة، إلا أنها كانت تجربةً جميلة جدا، ويكفي أنها أهدت لي خبرةً مبكرة في عالم نشر الكتب، مستمدّة من التعرّف على أخطائي الأولى، لأحاول تلافيها في التجارب اللاحقة.. وهذا ما حدث فعلا.
كانت الذكرى البعيدة قريبة جدا يذكّرني بها ما تبقى لدي من نسخ للطبعة الأولى من كتابي الأول، والذي أصدرته بعنوان “آخر الحالمين كان” في مفارقةٍ لم أكن منتبهةً لها، فهو حلمي الشعري الأول، ولكنه يحمل عنوانا يشير إلى الحالم الأخير.
كانت تلك التجربة يومها نوعا من المغامرة المتهوّرة، ولا أظن أنني سأقدم عليه بالنحو الذي حدث فعلا ، لو عاد بي الزمن إلى الوراء ثلاثة عقود. على الأقل كنت سأتريث وسأحاول استشارة من حولي ممن يملكون خبرة الكتابة والطباعة والنشر، لكنني فعلتها بثقة من فعلها قبل ذلك عشرات المرّات، فعندما ظننت أن ما كتبته من قصائد يكفي أن تضمّه دفتا كتاب، جمعتها وذهبت بها إلى المطبعة التي كانت في قبو مكان عملي. وهذا، كما يبدو، مما شجعني على تلك الخطوة. كنت أعتقد أن مجرّد طباعة النصوص الشعرية في المطبعة، ووضع غلافٍ عليها ستكون كتابا يتهافت عليه القراء. لم أفكر بالتوزيع مثلا، ولا حتى كيف يمكن للقرّاء الذين لا يعرفونني أصلا، أن يعرفوا أن كتابي قد صدر.
على الرغم من كل الأخطاء التي وقعت بها في تلك التجربة المبكرّة، إلا أنها كانت تجربةً جميلة جدا، ويكفي أنها أهدت لي خبرةً مبكرة في عالم نشر الكتب، مستمدّة من التعرّف على أخطائي الأولى، لأحاول تلافيها في التجارب اللاحقة.. وهذا ما حدث فعلا.
(العربي الجديد/ 31 أكتوبر 2019)