الرئيسية / مقالات سعدية مفرح / مبادئ ثابتة… أفكار متحوّلة
لوحة للفنان ضياء العزاوي
لوحة للفنان ضياء العزاوي

مبادئ ثابتة… أفكار متحوّلة

إلى أي مدى لنا الحق في تغيير أفكارنا الخاصة، والعامة أيضا، بين حين وآخر، من دون أن يتهمنها الآخرون بالتذبذب؟ ما الذي يغيّر أفكارنا، وخصوصا التي كنا نصر عليها، وكأنها الحقيقة المطلقة في الحياة؟ ما الذي يجعل من شخصٍ كنا نراه المثل الأعلى لنا في يوم من الأيام، وقد تحوّل إلى الشيطان الرجيم بأعيننا، من دون أن يتغير هو فعلا؟ ما الفرق بين الأفكار والمبادئ، حتى ليحق لنا أن نغير أفكارنا تجاه كل شيء في الحياة تقريبا مرات لا تُحصى، لكننا نتحرّج إن اضطررنا لتغيير مبدأ من مبادئنا في الحياة أحيانا؟
مبادئي ثابتة.. هكذا أدّعي وأقنع نفسي، لكن أفكاري تتغيّر دائما، هكذا ألاحظ وأكتشف. وبين الأمرين رحلة حياة طويلة زاخرة بالمبادئ الثابتة والأفكار المتحوّلة.
مؤخراً.. صرت أراجع أفكاري القديمة بين فترةٍ وأخرى، كما لو أنني أتفرّج على ألبوم الصور القديم. أتوقف عند فكرةٍ ما، وأتعجّب من نفسي؛ كيف كنت أفكر بهذا الشكل؟ كيف تبنيت تلك الفكرة الحمقاء، حتى أنني فقدت إحدى صديقاتي المقرّبات إلى نفسي في تلك الفترة من حياتي، فقط لأنها اختلفت معي حولها بشدّة في ذلك الوقت؟ تماما كما أتوقف عند صورةٍ قديمةٍ من صور ذلك الألبوم المتهرئ، وأضحك على مظهري في الصورة؛ كيف لبست ذلك القميص الذي أبدو فيه كأنني مهرّجة، ومن أين أتت لي الشجاعة، لأحضر به الحفل الموسيقي في المدرسة، بل وأتقدم وأنا بذلك المظهر المضحك، لأطلب من زميلتي، بما يشبه التوسّل، أن تلتقط لي صورة بالكاميرا التي كانت تحملها، على أمل أن أشارك بالصورة الملتقطة في مسابقة أجمل زي، والتي كدت أن أفوز بها فعلا؟
تغيّرت الموضة كثيرا منذ ذلك الوقت بالتأكيد، وتغيرت أفكاري أيضا، وكثير منها يبدو لي الآن مضحكا، وربما محرجا أيضا! لكن هل يعني هذا أنني تغيّرت؟
قبل أيام، كنت أتصفح كتابا قديما في مكتبتي، ففوجئت بقصاصةٍ صغيرةٍ مندسّةٍ بين الصفحات، تحتوي على ملاحظاتٍ سريعةٍ عن الكتاب بخط يدي. ولأن الكتاب سيرة تاريخية لشخصيةٍ سياسيةٍ إشكالية، فقد دُهشت من أعجابي الشديد بتلك الشخصية، والذي عبّرت عنه بالملاحظات المكتوبة في قصاصةٍ بعد انتهائي من قراءة الكتاب. مياه كثيرة جرت منذ القراءة الأولى وحتى التصفح الأخير. وعلى الرغم من أن الشخصية المعنية، والتي تدور أفكار الكتاب حولها، قد رحلت عن عالمنا، حتى قبل صدور ذلك الكتاب بسنوات، أي أنها لم تفعل جديدا في حياتها، يدعوني إلى الانقلاب عليها، إلا أنني انقلبت فعلا، أو هكذا اكتشفت، وأنا أحاول كتابة ملاحظاتٍ جديدةٍ عنها! ما جعلني أحاول إعادة التفكير مرة أخرى بمفهوم الأفكار نفسها، وعلاقتها بالمبادئ العامة التي يمكن أن يؤمن بها المرء، ويتخذ منها دستورا ثابتا لحياته.
الأفكار تتغير إذن، لكن المبادئ ثابتة، أو هكذا ينبغي أن تكون. وليس أمامنا سوى الاجتهاد في التفريق بينهما، حتى لا نقع في محظور التذبذب والازدواجية أيضا. وعندها نستطيع أن نقلب في ألبوم أفكارنا القديم، كما نقلب في ألبوم الصور.. نتذكّر ونبتسم ونستغرب، لكننا لا نحرق تلك الصور، بل نحتفظ بها كأغلى ما نملك من ذكريات.. مجرد ذكريات.

(العربي الجديد 21 فبراير 2019)

عن Saadiah

شاهد أيضاً

لوحة للفنان أسعد عرابي

هل سأنجو هذه المرّة أيضاً؟

سعدية مفرح/ تنقذني الكتابة، ولو مؤقتاً، من الغرق في لجة الكآبة ومجاهيل الاكتئاب. فمنذ أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *