الرئيسية / مقالات سعدية مفرح / مرة أخرى لا أخيرة.. لا للرقابة

مرة أخرى لا أخيرة.. لا للرقابة

حتى أنا مللت من مقالاتي وتدويناتي عن الرقابة وأحوالها في معارض الكتب العربية، فلا أتذكّر أيا من مواسم معارض الكتب، وعلى مدى سنوات ماضية، قد مر من دون أن أكتب فيه مقالا أو أكثر، علاوة على التدوينات الصغيرة والكبيرة، عن هذه القضية.. ومن دون جدوى للأسف. لكن هذا لا يمنعنا من تكرار الكلام عن الرقابة كلما حانت لنا الفرصة، والفرص كثيرة دائماً، فالمنع مستمر، والرقباء كثيرون، والرقابة في ازدهار دائم. ومع كل دورة جديدة لأيٍّ من معارض الكتب، نكتشف مزيداً من الممنوعات ما بين مؤيدين ومعارضين.
وعلى الرغم من أن الرقيب موجود في كل معارض الكتب العربية، بدرجات متفاوتة، إلا أنني لاحظت أن الحديث عن الرقابة والرقيب لا يظهر إلا عن معارض البلدان التي تتمتع بهامش من الحريات، مقارنة بالبلدان الأخرى! وهذا هو السبب الحقيقي في النظر إلى معرض الكتاب في الكويت على سبيل المثال من كثيرين، وكنت منهم، باعتباره أحد أسوأ المعارض في مستوى الرقابة وقائمة الممنوعات. كنت أظن ذلك أنا أيضا سنوات، إلى أن اكتشفت بنفسي، ومن خلال مراجعة قوائم الممنوعات في معارض عربية أخرى، والحديث مع كثيرين من الناشرين أن هذا غير صحيح. لكن حرية الحديث عن الرقابة وانتقادها بشكل حاد، وبصوت عال، وصلت إلى حد تنظيم مظاهرات رافضة، ووقفات احتجاجيةٍ، أمام بوابات معرض الكتاب في الكويت، هو ما جعل الأمر يبدو كذلك.
ليست المشكلة الحقيقية في الحديث عن الرقابة أو الصمت عنها، بل في الرقابة نفسها، وفي وجود من يؤيدها لأسبابٍ، من أهمها أنه يظن أن الرقابة تساهم في تنقية الإنتاج الثقافي من الهراء الذي صار كثيرون يتساهلون بنشره، باعتباره إبداعا. وهذا طبعا غير صحيح، والدليل أن هذا الهراء لم يمنعه السيد الرقيب من دخول معرض الكتاب هنا أو هناك، بل وتسيد المشهد في أحيانٍ كثيرة. فالرقيب للأسف لا يهمه مستوى الإبداع في ما يطلع عليه من كتب، ولا يهمه الأسلوب، ولا اللغة وقواعدها، ولا الأدب، ولا صوره البلاغية، ولا حتى فكرة الكتاب، بقدر اهتمامه بأشياء أخرى يرى هو، وحده أحيانا، أنها لا تليق بعقلية القارئ، أو أنها ستساهم، إن سمح بمرورها، في تغيير فكرة القارئ تجاه قضية من القضايا التي لا ينبغي تغييرها، وفقا لفكرة السيد الرقيب.
مشكلة أخرى تتعلق بالرقابة على الكتب في بلداننا، وهي غياب أي معايير محدّدة، يمكن أن يحتكم إليها الكاتب، أو الناشر، في حال منع كتابٍ ما من الوصول إلى القارئ بالطريقة المعتادة. فعلى الرغم من وجود قوانين تتعلق بالمطبوعات في معظم بلداننا العربية، إلا أنها قوانين هلامية عشوائية، تتسم موادها بالغموض والمطاطية، ولا يعول عليها في فهم الآلية التي تعمل فيها عقلية الرقابة على ما ينشر في الكتب. والدليل على ذلك أن تفسير هذه المواد يتم غالبا وفقا لأهواء الرقباء الشخصية، ومدى ثقافاتهم ومستوى وعيهم وطرائقهم في التفكير، كل على حدة. ولعل هذا يفسر لنا التفاوت الشديد في نوعية الرقابة ومستواها، عاما بعد عام، بل وفي المعرض نفسه نرصد مثل ذلك التفاوت. وهكذا نكتشف أن كتابا كان قد منع من العرض في معرض العام الماضي سمح بعرضه لاحقا، والعكس صحيح، والحالات كثيرة. هذا بالإضافة إلى حالات وحكايات أخرى، كشفت عن المستوى الثقافي الضحل لمعظم رقباء الكتب، ما يعزّز فكرة رفض الرقابة على الكتب على الإطلاق.

 

( العربي الجديد/ 16 نوفمبر 2017)

عن Saadiah

شاهد أيضاً

لوحة للفنان أسعد عرابي

هل سأنجو هذه المرّة أيضاً؟

سعدية مفرح/ تنقذني الكتابة، ولو مؤقتاً، من الغرق في لجة الكآبة ومجاهيل الاكتئاب. فمنذ أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *