كنت قد هيأت نفسي لتوجيه سؤال إلى الحائزة على جائزة نوبل للسلام هذا العام (2018)، الناشطة العراقية الشابة، ناديا مراد، في نهاية جلستها ضمن منتدى الدوحة الدولي قبل أيام، لكن الجلسة انتهت من دون فقرة للأسئلة، إذ كان حديث ناديا الدامع قد أثر على الحضور بشكل عاطفي، اكتسى بالحزن وتبلل بالدموع، ما جعل أي أسئلة قد توجه في ذاك الجو المشحون عاطفيا يفارق موضوعيته المرجوّة!
بدت تلك الفتاة النحيلة، والتي لم تغادر الخامسة والعشرين من عمرها بعد، وكأنها تحمل على كتفيها إرثا ثقيلا من الاضطهاد الذي تعرّضت لها النساء طوال قرون، لأسباب كثيرة وحجج مختلفة، ومن دون أن يكون لهن أي دور في ذلك. كانت تحكي قصتها الحزينة، وهي قصة نساء كثيرات أيضا في قريتها، وكأنها تقرأ سطورا في كتابٍ قديم، ولولا صوتها المتهدج، والذي هيمن على الجمهور الكبير الحاضر في القاعة بشكل ساحر، حتى تخيلت الجميع، وقد انخرط في نوبة بكاء صامت، لربما ظن من يسمع القصة للمرة الأولى أنها متخيلة، ذلك أنها حافلة بمفرداتٍ ذات دلالاتٍ مفرطةٍ في ماضويتها، لا يمكن التصديق أنه يمكن تداولها وصفا لأحداثٍ جرت في القرن الحادي والعشرين.. لكنها جرت فعلا لناديا، ولغيرها من نساء قرية سنجار في شمال غرب العراق، وقرى ومدن أخرى سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي اصطلح على تسميته داعش.
كانت ناديا في بدايات العقد الثاني من عمرها في العام 2014، عندما اجتاح قريتَها الوادعة، والتي تعيش فيها أقلية دينية تنتمي للطائفة الأزيدية، زلزالُ “داعش”، فتغير مصير تلك الصبية بشكل لم يكن يتوقعه أو يتصوره أحد، فبعد أن سيطر ذلك التنظيم بشكل كامل على المنطقة كلها ارتكب مجموعة من الجرائم البشعة بحق الأزيديين الذين صنفهم فورا “كفارا” ينبغي قتل رجالهم وسبي نسائهم، وهذا ما حدث فعلا، ففقدت ناديا ستة من أشقائها، قبل أن تقع هي في مصيدة السبي الذي جعلت منها جاريةً يملكها رجل عرّضها لأبشع أنواع الاستعباد الجنسي والعنف الجسدي، بعد أن بيعت مراتٍ، وتعرضت لاغتصاباتٍ فرديةٍ وجماعيةٍ وتعنيف وتعذيب جسدي مستمر، لكنها، في النهاية، هربت لتعيش بعض الوقت في مخيم اللاحئين في إقليم كردستان، ومنها إلى ألمانيا، حيث شقيقتها التي تقيم هناك. لم تنتظر ناديا طويلا في محطة استعادة الذات ولملمة الشتات وتضميد الجراح، ولم تستسلم لفكرة الصمت القاتل الذي تمارسه النساء، عندما يكن ضحايا للاغتصاب تحت وطأة الشعور بالعار، وفقا لتصنيف مجتمعاتٍ شرقية كثيرة، بل قرّرت أن تحكي قصتها لعلها تنجح في إنقاذ من خلفتهن وراءها من نساء واجهن المصير القاسي نفسه.
قالت ناديا إن تنظيم داعش كان يريد سلب النساء الأزيديات شرفهن، فكانت النتيجه أنه فقد شرفه.
ومن المؤكد أن شجاعة ناديا وغيرها ممن قررن الكلام وعدم الاستسلام قد ساهمت في تلك النتيجة غير الكافية حتى الآن، كما ترى الشابة التي تسلمت جائزة نوبل للسلام، في اعتراف عالمي بقيمة ما فعلته وما تفعله حتى اللحظة، لكي تكون الأخيرة، كما يقول عنوان كتابها الصادر بالفرنسية قبل شهور.
صبيحة اليوم التالي لجلسة ناديا في منتدى الدوحة، التقيتها في بهو الفندق، فحييتها، وعندما هممت بطرح سؤالي المعلق، انشغلت بنساءٍ أقبلن لتحيتها أيضا قبل أن تغادر الفندق في طريقها إلى المطار كما يبدو.
كنت أريد أن أسألها عن سبب زيارتها إسرائيل في العام 2017؟ وكيف يمكن لضحية مثلها أن تستعين بمجرم ومغتصب ومحتل ضد مجرم ومغتصب ومحتل آخر، بعد أن نجت منه بأعجوبة؟ وهل يمكن أن تكون قلة خبرتها السياسية ورّطتها بهذه الزيارة التي لا يمكن أن تقلل من إحساسنا ببشاعة ما تعرّضت له على يد “داعش”، ولكنها قد تثير التساؤلات مجددا عن تناقض هذا العالم تجاه المجرمين، باختلاف هوياتهم؟
بدت تلك الفتاة النحيلة، والتي لم تغادر الخامسة والعشرين من عمرها بعد، وكأنها تحمل على كتفيها إرثا ثقيلا من الاضطهاد الذي تعرّضت لها النساء طوال قرون، لأسباب كثيرة وحجج مختلفة، ومن دون أن يكون لهن أي دور في ذلك. كانت تحكي قصتها الحزينة، وهي قصة نساء كثيرات أيضا في قريتها، وكأنها تقرأ سطورا في كتابٍ قديم، ولولا صوتها المتهدج، والذي هيمن على الجمهور الكبير الحاضر في القاعة بشكل ساحر، حتى تخيلت الجميع، وقد انخرط في نوبة بكاء صامت، لربما ظن من يسمع القصة للمرة الأولى أنها متخيلة، ذلك أنها حافلة بمفرداتٍ ذات دلالاتٍ مفرطةٍ في ماضويتها، لا يمكن التصديق أنه يمكن تداولها وصفا لأحداثٍ جرت في القرن الحادي والعشرين.. لكنها جرت فعلا لناديا، ولغيرها من نساء قرية سنجار في شمال غرب العراق، وقرى ومدن أخرى سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي اصطلح على تسميته داعش.
كانت ناديا في بدايات العقد الثاني من عمرها في العام 2014، عندما اجتاح قريتَها الوادعة، والتي تعيش فيها أقلية دينية تنتمي للطائفة الأزيدية، زلزالُ “داعش”، فتغير مصير تلك الصبية بشكل لم يكن يتوقعه أو يتصوره أحد، فبعد أن سيطر ذلك التنظيم بشكل كامل على المنطقة كلها ارتكب مجموعة من الجرائم البشعة بحق الأزيديين الذين صنفهم فورا “كفارا” ينبغي قتل رجالهم وسبي نسائهم، وهذا ما حدث فعلا، ففقدت ناديا ستة من أشقائها، قبل أن تقع هي في مصيدة السبي الذي جعلت منها جاريةً يملكها رجل عرّضها لأبشع أنواع الاستعباد الجنسي والعنف الجسدي، بعد أن بيعت مراتٍ، وتعرضت لاغتصاباتٍ فرديةٍ وجماعيةٍ وتعنيف وتعذيب جسدي مستمر، لكنها، في النهاية، هربت لتعيش بعض الوقت في مخيم اللاحئين في إقليم كردستان، ومنها إلى ألمانيا، حيث شقيقتها التي تقيم هناك. لم تنتظر ناديا طويلا في محطة استعادة الذات ولملمة الشتات وتضميد الجراح، ولم تستسلم لفكرة الصمت القاتل الذي تمارسه النساء، عندما يكن ضحايا للاغتصاب تحت وطأة الشعور بالعار، وفقا لتصنيف مجتمعاتٍ شرقية كثيرة، بل قرّرت أن تحكي قصتها لعلها تنجح في إنقاذ من خلفتهن وراءها من نساء واجهن المصير القاسي نفسه.
قالت ناديا إن تنظيم داعش كان يريد سلب النساء الأزيديات شرفهن، فكانت النتيجه أنه فقد شرفه.
ومن المؤكد أن شجاعة ناديا وغيرها ممن قررن الكلام وعدم الاستسلام قد ساهمت في تلك النتيجة غير الكافية حتى الآن، كما ترى الشابة التي تسلمت جائزة نوبل للسلام، في اعتراف عالمي بقيمة ما فعلته وما تفعله حتى اللحظة، لكي تكون الأخيرة، كما يقول عنوان كتابها الصادر بالفرنسية قبل شهور.
صبيحة اليوم التالي لجلسة ناديا في منتدى الدوحة، التقيتها في بهو الفندق، فحييتها، وعندما هممت بطرح سؤالي المعلق، انشغلت بنساءٍ أقبلن لتحيتها أيضا قبل أن تغادر الفندق في طريقها إلى المطار كما يبدو.
كنت أريد أن أسألها عن سبب زيارتها إسرائيل في العام 2017؟ وكيف يمكن لضحية مثلها أن تستعين بمجرم ومغتصب ومحتل ضد مجرم ومغتصب ومحتل آخر، بعد أن نجت منه بأعجوبة؟ وهل يمكن أن تكون قلة خبرتها السياسية ورّطتها بهذه الزيارة التي لا يمكن أن تقلل من إحساسنا ببشاعة ما تعرّضت له على يد “داعش”، ولكنها قد تثير التساؤلات مجددا عن تناقض هذا العالم تجاه المجرمين، باختلاف هوياتهم؟
(العربي الجديد 20 ديسمبر 2018)
داعش عمل استخباراتي غربي ممنهج ومدروس جيدا الهدف منه هو نزع الإسلام من صدور أهله وتشويه صورته لدي الغير والاقبال وبقوة على قيم الرجل الغربي الذي هب لضرب هذا الوحش الذي يراد أن تؤمن ضحاياه أنه يمثل الإسلام حتى يظهر هذا الغربي السفاح في صورة المخلص وأن قيمه هي العليا